شمل قانون التشاركية السوري، رقم 5 لعام 2016، حسب (المادة 2) منه، «مشروعات المرافق العامة والبنى التحتية والمشروعات العائدة ملكيتها للقطاع العام»، واستثنى في (المادة 3) «عقود استكشاف واستثمار الثروات الطبيعية مثل النفط» و«العقود التي يبرمها القطاع العام وفق أحكام (القانون رقم 51 لعام 2004 وتعديلاته)»، أي وفق قانون نظام العقود الموحد الذي ينظم عقود المقاولات التي تبرمها الدولة مع القطاع الخاص. ويعني أن قانون التشاركية السوري في نسخته النهائية شمل، إلى جانب مشروعات المرافق العامة والبنى التحتية الهادفة إلى الخدمة العامة (كمشروعات الطرق والكهرباء والمياه وغيرها) «المشروعات العائدة ملكيتها للقطاع العام» ويضم ذلك المشروعات الصناعية، السياحية، الزراعية، التجارية وغيرها.
وفي الوقت نفسه يلاحظ أن القانون لم يشر في نصوصه إلى التشاركية في المشروعات التي تتضمن مشاركة الدولة القطاع الخاص من خلال منحه أراضي مملوكة منها (بسعر رمزي أو بالمجان) مقابل استثماره الأرض لإقامة مشروع سكني أو تنموي ضمن متطلبات تفرضها عليه الدولة تحقيقاً للمصلحة العامة، ومن هذه المشروعات، مشروعات السكن الاجتماعي وإعادة بناء المدن وتطوير المناطق العشوائية، ومشروعات المدن والعناقيد والمناطق الصناعية.
خارج التشاركية
نعتقد بضرورة إخراج المشروعات الإنتاجية الهادفة إلى الربح (الصناعية والسياحية وغيرها) من قانون التشاركية لأربعة أسباب: أولاً: لا يوجد تعارض مصالح بين الجهة العامة والجهة الخاصة في مشروعات التشاركية الهادفة إلى الربح مما يستدعي إصدار قانون خاص، ثانياً: لا يجوز إخضاع المشروعات الربحية في اقتصاد السوق الواقعة ضمن القطاع الاقتصادي الواحد لقوانين وأنظمة مختلفة حيث هذا يتنافى مع مبدأ المنافسة المتكافئة، ثالثاً: تكفي القوانين النافذة ومنها قوانين التجارة والشركات والعمل لحماية المصلحة العامة، ورابعاً: لا يجوز أن تصبح التشاركية ملجأً لمعالجة المشروعات المتعثرة في القطاع العام، وإذا كانت الحكومة تريد حلاً للقطاع العام الاقتصادي فعليها اتخاذ القرارات الجريئة اللازمة التي تقاعست عن اتخاذها على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية أو أكثر، رغم استمرار استنزاف القطاع العام الاقتصادي لمواردها المادية والبشرية.
مشروعات المناطق والعناقيد والمدن الصناعية
تكمن الحاجة للتشاركية في تلك المشروعات بسبب الدمار الكبير الذي تعرض له القطاع الصناعي، وخاصة في ريف دمشق وحلب، والحاجة لمناطق صناعية (وغير صناعية) تصديرية لتوليد القطع الأجنبي بعد الأزمة، والحاجة إلى إقامة مناطق وعناقيد صناعية في مختلف أنحاء البلاد لدعم التنمية المتوازنة. وقد أعلنت الدولة عن نيتها إقامة مناطق صناعية وتصديرية بمفردها وخاصة في الساحل السوري وفي منطقة الغاب. ومن الممكن إقامة هذه المشروعات تشاركياً بين الدولة والقطاع الخاص وفق قانون التشاركية.
تنبع الحاجة للتشاركية في مشروعات السكن الاجتماعي وإعادة بناء المدن المهدمة والتوسع العمراني من الحاجة لإعادة بناء المخزون السكني الذي تم تهديمه خلال الأزمة وتغير الهدف الوطني للإسكان حيث أصبحت إعادة بناء المخزون السكني المدمر وبناء وحدات سكنية سريعة التشييد، (مؤقتة ودائمة)، لإيواء المهجرين والنازحين في موقع الأولوية، يضاف إلى الحاجة للسكن الاجتماعي، والحاجة لتطوير المناطق العشوائية ومنع المخالفات الجديدة، يضاف إلى ذلك إخفاق نمط بناء السكن الاجتماعي المعتمد على المؤسسة العامة للإسكان والتعاونيات السكنية في تقليص الفجوة بين العرض والطلب للسكن الاجتماعي. وحين جاء قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008 لإدخال القطاع الخاص منفرداً أو بالتشارك مع الوحدات الإدارية لبناء المساكن لم يستطع القانون الإقلاع، ولم تُقم أي شركة في ظله بعد 9 سنوات من صدوره.
هناك ثلاثة نماذج للتشاركية في السكن الاجتماعي وإعادة بناء المدن والتوسع العمراني:
أ- نموذج منح أو بيع الأراضي للمطور العقاري وفي هذا النموذج تعد الدولة المخططات الإقليمية والمخططات الحضرية للمدن على أسس حديثة، وتدعو القطاع الخاص للبناء ضمن هذه المخططات منفرداً أو بالتشارك مع الدولة. وفي حال تشاركية الدولة توفر الدولة الأرض، وتمنح الحوافز وفق قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008، ويتولى المطور العقاري الخاص استثمار وتمويل المشروع وتحمل مخاطره.
ب- نموذج مشاركة وحدات إدارية في الدولة مع أصحاب الحقوق. ويعتمد هذا النموذج على مشاركة الدولة مع أصحاب الحقوق العينية في منطقة المشروع، وقد أتى المرسوم رقم 66 لعام 2012 بهذا النمط في إعادة إعمار منطقتين تنظيميتين داخل مدينة دمشق. وأتبعته الحكومة بالقانون رقم 23 لعام 2015، الذي تضمن اعتماد هذا النمط في «التوسع العمراني في حالات المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات أو التي لحقها الضرر نتيجة الحروب والحرائق، ومناطق التوسع العمراني التي ألحقت بالمخطط التنظيمي العام لمدن مراكز المحافظات»، وغيرها من الحالات.
وفي اعتقادنا أن هذا النمط لا يحمل معه تباشير النجاح بسبب عدم استطاعة الدولة بقدراتها الإدارية والتقنية، فضلاً عن ندرة مواردها المالية، إنجاز مشروعات معمارية وسكنية بهذا الحجم الكبير وكلفتها العالية وخلال الفترة الزمنية المقدرة لها. وبالنسبة للمرسوم رقم 66 لعام 2012 سيساعد إقامتهما في المواقع المختارة على النزوح إلى مدينة دمشق وزيادة الضغط على مواردها المائية، وفي اعتقادنا أنه كان من الأفضل اختيار مواقع بعيداً عن المدينة لإقامة مشروعين سكنيين بهذا الحجم.
ت- نموذج مشاركة مستثمرين كبار في القطاع الخاص مع أصحاب الحقوق في المنطقة التنظيمية (نموذج سوليدير في إعادة إعمار وسط بيروت) يركز هذا النمط على قيام اتحادات من المستثمرين السوريين، المحليين والمغتربين بمشاركة أصحاب الحقوق في إعادة بناء المدن والضواحي والتوسع العمراني، على غرار مشروع «سوليدير في وسط بيروت»، ولكن مع تحاشي ما ارتكبته سوليدير من غبن بأصحاب الحقوق ومن فساد. ويتطلب تنفيذ هذا النموذج إجراء تعديلات على القانون رقم 23 لعام 2015 يتضمن السماح للقطاع الخاص أن يلعب الدور المنوط نفسه بالجهة الإدارية في النص الحالي للقانون. والتحدي الكبير يكمن في جذب القطاع الخاص المحلي والمغترب والقطاع الخاص الذي غادر خلال الأزمة لتبني هذه المشروعات والاستثمار فيها من خلال منحه الحوافز اللازمة والضمانات الكافية باعتماد الشفافية والحرفية في طرح هذه المشروعات.
لم يشر قانون التشاركية في نصوصه إلى التشاركية في المشروعات التي تتضمن مشاركة الدولة للقطاع الخاص في السكن الاجتماعي وإعادة بناء المدن والتوسع العمراني كما ذكرنا.
وسواء كان هذا سهواً أو قصداً فواقع الأمر أن مواد قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 لا تصلح للمشروعات التي تتضمن تطويراً عقارياً، لما لهذه المشروعات من خصوصية تشمل جاهزية الأرض وتوفير وتطوير البنى التحتية وتوزيع مسؤولياتها وتمويلها، ومواصفات المساكن وارتفاع الأبنية والخدمات المكملة للسكن في المدن ومسؤوليات صيانتها، وتحديد مواصفات المستفيدين من المشروعات وغيرها. وفي الوقت نفسه لا يمكن استبعاد هذه المشروعات من التشاركية نظراً لأهميتها القصوى بعد الأزمة.
وقد يكون من الأفضل تشميل التشاركية في مشروعات السكن المذكورة في قانون التطوير والاستثمار العقاري (رقم 15 لعام 2008)، وهو قانون صدر بالأساس لتشجيع القطاع الخاص «السوري والعربي والأجنبي» الدخول في مشروعات السكن الاجتماعي منفرداً على أملاكه الخاصة أو بمشاركة الوحدات الإدارية للدولة على أراض عامة، لكن قانون التطوير والاستثمار العقاري لم يكن ناجحاً بحد ذاته، ولم يُقم في ظله أي مشروع حتى الآن، كما وأنه لم يكن واضحاً بالنسبة للمشروعات التشاركية، وفي الوقت ذاته فالقانون لم يعد صالحاً لمواجهة التحديات التي أفرزتها الأزمة، ويحتاج إلى تعديلات جديدة فيه.
عن الوطن