شيئاً فشيئاً تتراجع أزمة البنزين والمشتقات النفطية، وبتنا نلاحظ أن الازدحام على محطات الوقود راح يخفّ كل يوم عن سابقه، وملامح الانفراج صارت أكثر وضوحاً، وبدأت الأنفس تسير نحو الارتياح أكثر، والآمال تنعقد نحو ارتياح تام، فكان السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس على حق بالقول ( البنزين توفّر .. وسيتوفّر .. والدولة قوية فلا تخافوا .. )
بالفعل .. ما كان لنا أن نخاف، ولا حتى نقلق، فهذه الدولة التي صبرت وصمدت واستطاعت أن تقارع هذا الإرهاب العالمي، القادم إليها من كل أصقاع الدنيا، وانتصرت عليه، وتمكّنت من أن تُخفِقَ مآربه ومخططاته، جديرة بالثقة والاطمئنان.
بكل الأحوال حربنا الضروس مع هذا الإرهاب وداعميه – الأكثر منه إرهاباً – ماضية إلى النهاية لتحقيق أهدافها بالكامل في تحرير الأرض وبسط السيادة، وإلى أن تتحقق الأهداف لا شك بأن الأعداء ماضون هم أيضاً بمحاولاتهم اليائسة في مواصلة الضغط على سورية، باختلاق الأزمات، وصناعة الاختناقات، فحتى أزمة الوقود هذه قد تعود مرة أخرى، وربما أكثر من مرّة، وكلنا يذكر أن هذه الأزمة التي مررنا بها لم تكن المرة الأولى، فقد شهدنا في السابق فصولاً مشابهة لها، لا تُعبّر إلاّ عن تكالب أعداء سورية من أجل الضغط علينا، ومحاولة زرع الشقاق بين الشعب وقيادته، ولكنهم يمتلكون من السذاجة ما فيه الكفاية التي توهمهم بأنهم قادرون على اختلاق هذا الشقاق، فهم حتى الآن لا يستطيعون استيعاب الطريقة التي يلتحم بها الشعب مع قيادته، وسيرحلون ولن يدركوا هذا الرباط الأقوى من تدابيرهم ومكائدهم كلها.
أجل سيرحلون وهم يجرّون خلفهم أذيال الخيبة، ودوار الحيرة، ونحن الثابتون هنا على هذه الأرض المقدّسة، نأكل من عشبها وترابها ولا نستسلم لضغوطهم مهما أوجعتنا، ولا لحصارهم مهما آلمنا، وسنبقى مستمرين في فكفكة ألغامهم وأحقادهم، مثلما استطعنا بالنهاية تفكيك أزمة الوقود هذه، عبر سيناريوهات متعدّدة شرعت الحكومة في تطبيقها بجهودٍ هائلة لا تعرف الكلل ولا الملل، على الرغم من أصابع التشكيك التي كان البعض يهون ويضعف فيوجهها نحو الحكومة، بأنها غير مكترثة بناسها، ولا تعرف كيف تُدير الأزمة، والأمر ليس كذلك، فالحكومة – وفي أجواء هذا الحصار الجائر، وهذا الإرهاب الاقتصادي غير المسبوق – استطاعت أن تُدير الأزمة جيداً، رغم كل ما بدا من صعوبات، فما أن اشتعلت الأزمة في أوائل شهر نيسان حتى بدأت الإجراءات الحكومية فعلياً، وبالتعاون مع الجهات المختصة، فضمنت نوعاً من التوازن بتوريد المشتقات النفطية إلى محطات الوقود، رغم ذلك الطلب الشديد الذي أحيط بها.
وعلى الرغم من أن إجراءات الحكومة لم تكن شعبية بالنسبة لمالكي السيارات، إلاّ أنها كانت كما الدواء المُرّ، فلا بدّ من تجرّع تلك المرارة من أجل الوصول إلى الشفاء، وكان الأمر كذلك، وقبل أن تقوم الحكومة بفرض تقليص المخصصات عن السيارات العامة والخاصة، وتقييدها بالبطاقة الذكية، بدأت بتقليصها عن السيارات الحكومية، وبدأ الاختناق يخفّ نوعاً ما، ثم بادرت الحكومة من جانب آخر إلى إقامة محطتي البنزين أوكتان 95 في دمشق بالسعر العالمي، مُضافاً إليه بعض النفقات، كالنقل وغيره، ليكون متاحاً أمام كل من يرغب لشراء البنزين حراً وبالكمية التي يريد، إن كانت المخصصات المخفّضة المدعومة على البطاقة لا تُناسبه، لتنتقل هذه التجربة – البنزين الحر – إلى محافظات أخرى، فكانت بصمتها واضحة في التخفيف من الأزمة، ثم انطلقت مجموعة من الصهاريج المحمّلة بالبنزين لتبيعه على البطاقة في شوارع المدن، ما أدى إلى تخفيف الضغط عن المحطات أيضاً.
وبالمقابل عمدت الحكومة – في هذه الأثناء – إلى تغذية مصفاتي حمص وبانياس بالنفط الخام من أجل تكريره، فاتّقدت شعلتا المصفاتين، ومن دون أن نقف على التفاصيل فلا بدّ من أن هاتين الشعلتين لم يعملا هكذا من فراغ، وإنما عملا بعد مسلسلٍ حكومي مُرهقٍ وصعب ومُشبعٍ بالمخاطر.
على كل حال علينا أن نضع في بالنا وبين أعيننا بأنّ الأزمة إن كانت قد تراجعت اليوم، وانتهت غداً، فقد نكون بعد غدٍ أمام أزمةٍ جديدة، وعلينا أن نبقى مستعدين لتلقي الصدمات من أزماتٍ نفطية وغير نفطية ربما تكون قادمة، فحربنا مستمرة، والحصار يشتدّ، والإرهاب الاقتصادي ما يزالون يحاولون تلوينه بمختلف الألوان والأصناف، وقد ينجحون – إن نجحوا – بمضايقتنا، ولكنهم بالنهاية خاسرون وفاشلون، فنحن أصحاب الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه
. عن سيريا ستيبس – علي محمود جديد