28/6/2018
اعتبرت هيئة التخطيط والتعاون الدولي، أنَّ صدور العديد من التشريعات المحفزة والجاذبة للاستثمار، والمزايا والإعفاءات المقدمة، لم تكن كافية لتحقيق الأهداف المرجوة، وجذب الاستثمارات إلى القطاعات الحقيقية المنتجة، كما أنّ جميع المراحل تشترك بمجموعة من نقاط ضعف.
وقالت الهيئة في دراسةٍ تحليلية لها عن الاستثمار الخاص في سورية، استعرضت خلالها حجم وطبيعة هذا الاستثمار، حسب الأنشطة الرئيسية للاقتصاد الوطني، إنّ أبرز التحديات التي عانى ويعاني منها الاستثمار في سورية، تتمثّل بعدّة نقاط، أهمها أنَّ جميع المشاريع المستقطبة وعلى مختلف المراحل تتجه نحو المشاريع ذات الربحية السريعة، والمردود العالي، وذات الطابع التجاري، وكشفت الهيئة أنّ من أبرز نقاط الضعف، التي يعاني منها الاستثمار الخاص في سورية، هي أنّ الكثير من المستثمرين لم يكونوا جادّين «على ما يبدو» في استثماراتهم، حيث اتجهوا نحو الاستفادة من المزايا والإعفاءات والتسهيلات، في شراء ما يلزم من سيارات ومساكن وتجهيزات، معدة للاستهلاك، وليس للإنتاج..!
وقد بذل الدّارسون في الهيئة، جهوداً واضحة في إبراز محددات الاستثمار الخاص، والعوامل التي أثرت فيه، إضافةً إلى إظهار نقاط الضعف التي يعاني منها، وذلك على عدة مراحل من عام 1990 – أي منذ صدور قانون الاستثمار الأول الشهير رقم 10 لعام 1991 – إلى عام 2016، حيث احتدّت الحرب في سورية، وشهدت الاستثمارات جموداً وتراجعاً لا يخفى على أحد.
المرحلة من 1990 إلى 1995
لا تُمانع الهيئة في دراستها على ما يبدو، من أن تُطلق على هذه المرحلة، اسم «سني الفورة الاستثمارية السريعة» حيث تجاوب المستثمرون مع القانون 10 لعام 1991 بشكل كبير وواضح، ولكن هذا التجاوب لم يرقَ إلى المكان الذي يؤسس لسورية استثمارات حقيقية مُجدية وفعّالة، ولكن كيف..؟
توضح الدراسة أنّ حجم الاستثمار الخاص، قد تزايد في هذه المرحلة من قرابة «26» مليار ليرة في العام 1990 إلى « 87» مليار ليرة في العام 1995، أي بمعدل نمو وسطي بلغ 28 %، وشكّل في المتوسط ما نسبته 14 % من الناتج المحلي الإجمالي، ليزيد حجم الاستثمار الخاص «نسبة إلى إجمالي الاستثمار» من 55 % في عام 1990 إلى 68 % في عام 1992، إلا أنه بدأ بالتراجع تدريجياً، ليشكل 56 % من إجمالي الاستثمار في عام 1995.
وقد حصل قطاع الصناعة على 29 % من حجم الاستثمار الخاص، موزعاً إلى 7 % للاستخراجية، و 22 % للتحويلية، واللافت للنظر في هذه المرحلة التزايد الملحوظ للاستثمار الصناعي الخاص في العامين 1992 و 1993، ليعود بعدها للانخفاض في العامين اللاحقين.
ويأتي بعد قطاع الصناعة، كلّ من قطاع النقل والمواصلات والزراعة اللذين نما فيهما حجم الاستثمارات، وتزايدت حصتهما من حجم الاستثمار الخاص إلى 15 % للنقل و 12 % للزراعة، وانخفضت حصة قطاع المال والتأمين والعقار خلال المرحلة إلى 28 % مقارنة بعام 1990، حيث بلغت نسبتها 49 % من حجم الاستثمار الخاص.
تقول الدراسة، إن معدلات النمو العليا لحجم الاستثمار الخاص خلال هذه المرحلة كانت في الأعوام الثلاثة اللاحقة لقانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، حيث فتح هذا القانون الباب أمام تغير أدوار القطاعات، ومنح القطاع الخاص إعفاءات وتسهيلات مهمة للاستثمار، إضافة إلى العديد من المجالات، التي كانت محصورة في القطاع العام، والملاحظ أن قانون الاستثمار رقم 10/ 1991 قد شكل عملية دفع قوية لوتيرة الفورة الاستثمارية السريعة، حققها القطاع الخاص في السنوات الأولى من عقد التسعينات، والتي تجاوز فيها حجم استثماراته لأول مرة منذ العام 1960 حجمَ اَستثمارات القطاع العام، وتجلى ذلك بوجه خاص في عام 1992 بفعل استجابة الاستثمارات الخاصة للقانون، وتفاعلها النسبي معه، فقد بلغ عدد المشاريع المشملة بموجب هذا القانون 448 مشروعاً، بكلفة استثمارية 67 مليار ليرة، توزعت في مشاريع القطاع الصناعي225 مشروعاً، وقطاع النقل252 مشروعاً، وثمانية مشاريع في قطاع الزراعة، وثلاثة مشاريع للقطاعات الأخرى.
وقد بلغ عدد المشاريع المنفذة بموجب القانون 10/ 1991 لهذه المرحلة 408 مشاريع، منها 199 مشروعاً في قطاع الصناعة، و 203 مشاريع في النقل، ومشروعان في قطاع الزراعة، و4 مشاريع في باقي القطاعات.
أما فيما يخص أثر القانون على الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد بلغ عدد المشاريع الأجنبية المشملة بموجب هذا القانون، عشرة مشاريع بكلفة 3,157 مليارات ليرة، توزّعت على 7 للصناعة، 2 للزراعة، 1 للنقل.
وتشير بيانات مصرف سورية المركزي، إلى أنّ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، بلغ نحو 600 مليون دولار خلال المرحلة 1992 – 1995، أي ما يعادل 19 مليار ليرة، وهذا يصل إلى نحو 6 % من حجم الاستثمار الخاص، كمتوسط خلال تلك المرحلة، التي جاءت بعد الاكتشافات النفطية المهمة في نهاية الثمانينات، ومع تجدد المعونات العربية لسورية، وصدور القانون رقم 10 / 1991، وترافقت بإجراءات تحريرية اقتصادية متعددة السرعات، قامت على تحفيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، انطلاقاً من برنامج «إصلاح اقتصادي» انتقائي غير معلن – مثلما تُوصّف الدراسة، وهو توصيف صحيحٌ وعايشناه – وإعادة تعريف دور القطاع الخاص من خلال مقولة «التعددية الاقتصادية» التي صيغت لاستيعاب دوره الجديد.
ورأت الدراسة أنّ صدور القانون رقم 10/ 1991 كان نقطة تحول مهمة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، من ناحية منح القطاع الخاص الفرصة ليأخذ دوره في العملية التنموية، غير أنّ ذلك شكّل بداية لم تُستكمل، ترافقت مع سياسات وإجراءات اقتصادية، مثلت مجتمعة شكلا من أشكال إعادة الهيكلة غير الموفقة -وفق ما يبينه التحليل- لدور كل من القطاعين العام والخاص.
وتقول هيئة التخطيط: لعل أهم ما في القانون هو مساواته في المعاملة بين رأس المال الخاص، المحلي والعربي والأجنبي، وسماحه بتملك رأس المال الأجنبي لكامل المشروع وإدارته، ومنح المستثمرين المحليين والأجانب إعفاءات ضريبية كبيرة ومتنوعة، وإعفاءات من قرارات المنع والحصر، المفروضة على الاستيراد، والسماح لهم بالحفاظ على 75 % من القطع الأجنبي الناتج عن التصدير، لاستخدامه في مشروعهم، بدلا من بيعه للسلطات النقدية، بموجب أنظمة القطع النافذة.
ورأت الدراسة، أنّ نقطة الضعف الرئيسية، للقانون رقم 10 هي أنه عامل جميع قطاعات الاقتصاد على قدم المساواة، ولم يعط الأولوية للقطاعات الإنتاجية، عن طريق المفاضلة في منح الامتيازات المالية، فقد وفر القانون ذات الحوافز والضمانات لجميع المشاريع الاستثمارية في جميع الميادين، دون إعطاء الأولوية لبناء القدرة الإنتاجية للاقتصاد، أو فرض الالتزام بإيجاد فرص العمل، وتمكن المستثمرون من القطاع الخاص – وخاصة التجار، الذين كانوا حريصين على زيادة أرباحهم الخاصة بسرعة – من الاستفادة من القانون بامتيازاته المالية، على حساب الصناعيين على الأقل، ويتضح ذلك من النسبة العالية، لتنفيذ مشاريع النقل، التي تركزت بوجه خاص في نشاط «تأجير السيارات ظاهريا، ذلك أنّ النشاط الفعلي كان تجارة السيارات، ذات التكلفة القليلة والمخاطرة البسيطة، والربح الكبير السريع، بسبب الحظر الذي كان مفروضاً آنذاك، على استيراد السيارات.