لم تكد تنتهي زوبعة تشميل الأقمشة بمرسوم الإعفاء من 50% من الرسوم الجمركية، بين صناعيي الأقمشة وصناعيي الألبسة الجاهزة، حتى هبت بوادر زوبعة ثانية وإن كانت أقل عصفاً، تمثلت بالتوجه نحو السماح باستيراد الآلات المستعملة، الذي دار حوله جدل كبير بين أهل الكار وكلٌ يحمل حجته تحت إبطه بغية إقناع الجهات المعنية، وإن كانت أقرب إلى التوجه إلى إصداره بداعي حماية الصناعة المحلية، التي تحتاج -حسبما يقولونه- إلى استيراد هذه الآلات بغية ترميمها، في حين يراه الصناعيون المعترضون سلبياً مادام التاجر هو من يستوردها، فالأفضل تولي الصناعي هذه المهمة لضمان إحضار آلات «شغالة» وليست خردة..
لكن بمعزل عن إصدار القرار أو عدمه نسأل: لماذا عقب التوجه إلى اتخاذ أي قرار تحصل هذه الخلافات بين الصناعيين، بشكل يبين وجود شرخ واضح في الوسط الصناعي يجب ردمه بغية الإسراع في الإقلاع بالصناعة المحلية والنهوض بها بعيداً عن تلك المصالح الشخصية الضيقة.
مقبرة خردة
يطل الخلاف مجدداً بين صناعيي دمشق وحلب من خلال قرار السماح باستيراد الآلات المستعملة، حيث يؤيد أهل الكار الدمشقيون هذا القرار وفي مقدمتهم رئيس غرفة الصناعة سامر الدبس، بينما صناعيو حلب من أبرز المعارضين له، وهنا يتساءل رئيس لجنة منطقة العرقوب الصناعية محمد الصباغ عن الفائدة من استيراد الآلات المستعملة وسلبياتها، التي تكررت في رأيه في تجارب سابقة سمحت للتجار بإدخال الآلات على ما يسمى «تجاري»، بشكل أدى إلى تهرب آلاف المالكين لهذه الآلات من الضرائب والترخيص والتسجيل لدى الجهات الحكومية، ما تسبب بوجود منتجات رديئة تسيء لسمعة المنتج الوطني، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تدني الطاقات الإنتاجية للآلة المستعملة مقارنة مع خطوط الإنتاج الحديثة والتقانات المتقدمة، مع ارتفاع معدلات استهلاك قطع الغيار بسبب الأعطال المتكررة وهدر القطع الأجنبي لقاء تأمينها من الأسواق إذا توافرت هذه القطع, لكون أغلبية الآلات المستعملة التي يتم استيرادها لا تتوافر لها قطع تبديل في بلد المنشأ مع ارتفاع تكاليف الصيانة لها، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التلوث البيئي لقدم هذه الآلات مع ارتفاع معدل استهلاك حوامل الطاقة، ليشدد على أن الأخطر في القرار تحول الصناعة السورية من خلال الآلات المستعملة إلى مقبرة للخردة وتدني سمعة المنتج محلياً وخارجياً.
إيجابية بشرط
سلبيات القرار لا تلغي وجود إيجابية له لكنه يقرنها بحصر الاستيراد بالصناعي لاستكمال خطوط إنتاجه وألا يزيد عمرها الزمني على خمس سنوات ويكون مسجلاً لدى الجهات الحكومية للملكية والإنتاج وهذا يكون ضامناً لجودة المنتج والمواصفات وحماية الصناعة السورية.
هدر القطع الأجنبي
ولا يحيد الصناعي محمد كمال ديري عن رأي زميليه عن وجود آلاف الآلات المستعملة المعدة للبيع وبالليرة السورية، فلماذا يسمح باستيراد الآلات المستعملة بينما الصناعيون يشكون من قلة الأسواق ومن عدم توافر حوامل الطاقة وارتفاع أسعار المحروقات والأسوأ بكثير عدم توافر اليد العاملة والخبرات والفنيين, وتالياً فإن استيراد الآلات المستعملة يعد هدراً للقطع الأجنبي.
بدوره يشدد الصناعي محمد الدباغ على عدم أحقية استيراد الآلات إلا للصناعيين، الذين هم على دراية كاملة بكيفية تطوير خطوط إنتاجهم، لذا من الخطأ أن يكون للتاجر دور في الإقراض والتحكم بمستوى المنتج، ليشدد على أن الصناعة المحلية تعاني نقصاً في اليد العاملة، فبدلاً من أن نأتي بخطوط جديدة من الصين لا تحتاج أيدي عاملة كثيرة نأتي بآلات مستعملة تحتاج عمالة أكثر.
لمساعدة الصناعيين الصغار
وعلى الطرف النقيض تماماً يرى سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق أن قرار السماح باستيراد الآلات المستعملة الهدف منه أن تكون هذه الآلات للجميع وليس للصناعيين حصراً فيقول: اتهمنا أننا سوف نقلب سورية إلى مستودع (خردة)، وهذا الكلام غير صحيح لأن الصناعي يعرف ماذا يريد وما هي الآلات التي يريد شراءها ويعرف الأسعار، مؤكداً أن هناك بعض الصناعيين الصغار يريدون إعادة تشغيل معاملهم ولا يستطيعون خلال المرحلة الراهنة، لذا لا نريد أن نكون عائقاً أمام تمويل الصناعي أياً كان وخاصةً الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
يتفق معه الصناعي مصطفى النجار بقوله: ما يلفت النظر هو أن الاعتراض على قرار السماح باستيراد الآلات المستعملة تركز على من سيستورد, الصناعي أم التاجر أم كلاهما؟ لكن الحكومة ارتأت أن يكون الصناعي والتاجر مسموح لهما الاستيراد تجنباً لتبعات السماح للصناعي وحده ومساعدة للصناعيين الصغار الذين لا يملكون القدرة على الاستيراد، وتالياً يمكن لتاجر كبير أو صناعي كبير استيراد عدد كبير من الآلات والتي غالباً ما تتم من مصانع أشهرت إفلاسها في هذا البلد أو ذاك، ومن ثم يبيعها لصاحب الورشة وفق شروط تناسب إمكانات هذا الصناعي أوذاك.
حماية الإنتاج المحلي
ورغم حالة الجدل بين الصناعيين بشأن استيراد الآلات المستعملة تبدو الحكومة قريبة إلى إصدار القرار بصورة تسمح لهذه الآلات بالدخول ضمن العملية الإنتاجية، وهنا يؤكد وزير الصناعة أحمد الحمو لـ«تشرين»: من الطبيعي في ظل ظروف الحرب والتدمير الكبير لآلاف المنشآت الصناعية أن تبحث وزارة الصناعة عن حلول تساعد بها الصناعيين المتضررين لعودة عجلة الإنتاج من جديد، حيث اتخذت جملة من الإجراءات منها السماح لهم باستيراد الآلات المستعملة، التي يسهم استيرادها في خدمة الجميع، سواء الجهات الحكومية أو الصناعي لجهة تقديم الدعم له والسماح له باستيراد آلات يكون فيها قادراً على الانطلاق من جديد بأقل التكاليف، بما يسهم في إقلاع الصناعة إلى سابق عهدها وتوفير السلع والمنتجات الصناعية للسوق المحلية وتصدير الفائض منها، لكن المهم الحفاظ على الكتلة النقدية الأجنبية المتوافرة لأن الاستيراد يحتاج للتمويل ونحن بأمس الحاجة لتوفيرها, ناهيك بالرسوم والضرائب التي ستجنيها الخزينة العامة.
وعند سؤاله عن عمر الآلة أكد الحمو أن شرط العمر لم يعد معمولاً به حالياً لأن من شروط الاستيراد المواصفات الجيدة, وأعتقد لا يوجد صناعي يستورد آلة خردة لا تحقق له الغاية الإنتاجية, وإن فعل فمعمل صهر الحديد في حماة موجود. بناء على طلب الصناعيين ولأن وزارة الاقتصاد تعد إحدى الجهات المعنية بإصدار القرار لكونها المسؤولة عن تنظيم عملية الاستيراد أفادت مصادر خاصة لدى وزارة الاقتصاد أن قرار استيراد الآلات المستعملة جاء بناء على طلب الصناعيين ووزارة الصناعة من أجل تقديم المساعدة للصناعيين الذين تعرضت منشآتهم ومعاملهم للتدمير، وذلك باستيراد الآلات من الأسواق الخارجية من أجل إعادة اقلاع المنشآت وخاصة أن الظروف التي يعانيها الصناعيون صعبة, إضافة لنقص السيولة لديهم ما دفعهم لطلب استيراد الآلات المستعملة عن طريق التجار وفق شروط ومواصفات تحقق الغاية من استيراد الآلة.
وتضيف المصادر: موافقتنا تأتي ضمن إطار الموافقة الحكومية التي تتضمن تقديم الدعم اللازم له وتخفيف الأعباء عنه بدليل أن الآلات التي تدخل إلى القطر بموجب قرار الآلات المستعملة هي معفاة من الرسوم والضرائب بقصد تشجيع الصناعي للعودة وزيادة إنتاجيته، مشيراً إلى أن الناحية الايجابية في الموضوع هي الحفاظ ما أمكن على القطع الأجنبي الذي تحتاجه الآلات الجديدة، التي يقدر سعرها بأضعاف المستعملة، ونحن كوزارة لنا مصلحة في الحفاظ على القطع الأجنبي من جهة, والصناعة المحلية من جهة أخرى. عن تشرين.. مركزان الخليل