6/03/2018
دخلت سيرة “الأثرياء الجدد” للتو إلى مضمار التداول بصوت عالٍ ، في وسائل الميديا بأنواعها ، بما فيها الإعلام الرسمي الذي شرع بمقاربات واضحة للظاهرة.
و أياَ كان وازع الطرح ، لا نملك إلّا أن نعترف بقدر غير قليل من الموضوعية التي تملي بحث هذا الملف بهدوء ، بعيداً عن نزعات التشفّي والقذف ، وهذه بالتأكيد ليست مهمة وسائل التواصل الاجتماعي غير المسؤولة ، ولا مخاتير الأحياء وجلسات “النميمة” في الأرياف البعيدة ، بل ثمة مسؤولية رسمية لا بد أن تضطلع بها الدولة ، لتخطيط مآل ثروات “الأثرياء الجدد والقدامى” على حدّ سواء ، فأموال أثرياء الحرب لا تختلف بمصادرها عن أموال أثرياء السلم والاستقرار ، و إن اختلفت الأدوات والوسائل والتوقيت.
وربما يكون من الحكمة ألّا نذهب بعيداً في خيارات المعالجة ، و نجنح باتجاه فكرة المساءلة والمحاسبة ، التي تبدو الأسهل طرحاً والأصعب تطبيقاً ، على الأقل في المدى المنظور، رغم أنها واجبة وضرورية من وجهة النظر القانونية والأخلاقية ، لكن براغماتية البعد الاقتصادي لمفهوم الثروة تفرض نفسها بقوة هنا ، في فضاء خصوصية الظرف الصعب ، وتأخذنا إلى ضرورة التفكير بمطارح استثمارية وتوظيفات مجدية لكل هذه الثروات ، والقاعدة الفقهية تؤكد أن “الضرورات تبيح المحظورات” ، وبمقاربة المعنى والدلالة لا يبدو مثل هذا الطرح استثنائياً أو غير واقعي في اشأن الذي نحن بصدده.
فالإصدار النقدي الكلّي هو ثروة ، مالكها الدولة أما حائزيها فهم أفراد ومؤسسات ، بالتالي الثري هو حائز وليس مالك ، وقد منع القانون السوري اكتناز المال في مخابئ مظلمة وحجبه عن الفعل الاستثماري ، فإما إيداعات مصرفية أو توظيفات ظاهرة ، ماخلا ذلك فهو مخالفة تستوجب المساءلة ، رغم أن الوقائع تؤكد أنّ أحداً لم يُسأل بسبب أمواله المخبأة في الوسادة أو “تحت البلاطة” كما درجت العادة لدينا نحن السوريين.
الآن بات في حوزة “أثريائنا” الجدد ، كتل نقدية كبيرة من الصعب تقدير حجمها ، وهي مخبأة لأسباب تتعلق بالخوف من المساءلة ، لكن السبب الأهم هو أنهم لا يجيدون استثمارها ، بالتالي توجهوا إلى حيث “الاستهلاك التعويضي” تحت وطأة ردّات الفعل ، وثمة وقائع جديرة بالمتابعة فعلاً ..قصور وفلل وسيارات فارهة ..وهذا ينطوي على ضياعات خطيرة في الفرص وهدر لأموال وثروات ، من الملحّ أن نضع له حداً ، ليس بطرق بوليسية بل عبر الإرشاد الاستثماري ، وعرض خيارات توظيف ذات بعد تنموي ، تزج هذه الأموال في ميدان التنمية الحقيقية ، وتحولها عن مسارات الترف والاستعراض التي تتوعد نسيجنا الاجتماعي بـ “رضوض طبقية” ومفارقات قد لا تكون نتائجها حميدة.
الحالة شبه طارئة تستوجب تحركاً رسمياً سريعاً ، ولعل المداخلة الناجعة على هذا الملف غير التقليدي تبدأ بعرض خيارات فرص استثمارية “دسمة” في ذات المناطق والمجتمعات التي ينتمي إليها حائزو الأموال الجدد ، و إلزامهم – نكرر إلزامهم – بضخ الأموال فيها ، وتشغيل العمالة المعطلة ، ثم تكليفهم ضريبياً و إخضاعهم لكامل منظومة الالتزامات التي يخضع لها أي مستثمر.
قد يستهجن بعضنا مثل هذا الطرح ، تحت عناوين مختلفة ليست غائبة عن أذهاننا ، لكن دعونا نعمل بذهنية التاجر لا بعقلية “القديسين” ، لأن أدبيات الاقتصاد والتنمية لا تكترث كثيراً للدعاء والتوسل ، وقد علمتنا الدروس أن رجل الأعمال الناجح هو الذي يستنتج أن ناتج جمع 1 + 1 = 11 وليس إثنان. الخبير السوري