أخبار الصناعة السورية:
هذه المرة لم تكن “فتيلة” الحكومة طويلة ولم تنتظر الأشهر الكثيرة حتى تصدر قراراً تمت المطالبة به، فبعد عشرين يوماً فقط من توصية غرفة تجارة ريف دمشق والمتضمنة الطلب بالسماح باستيراد السيراميك جاءت موافقة رئاسة مجلس الوزراء على السماح باستيراد المادة مع خفض السعر الاسترشادي للمتر ليصبح ٩ دولارات، وفرض ضميمة بمبلغ ١٠٠٠٠ ليرة للمتر على القياسات التي يوجد منها منتج محلي.
لكن القرار المفاجئ جاء ضربة موجعة لأصحاب مصانع ومعامل السيراميك كما وصفوه، واستطاع في أقل من يومين أن يقسم الأوساط الاقتصادية إلى فريقين، “كما فرق كرة القدم”، فريق يهاجم وآخر يدافع، وحكم يتفرّج منتظراً دخول الهدف للمرمى ليعلن نهاية المباراة وفوز الفريق المنتصر “بحجته وبرهانه”.
البداية “تجارية”
نستطيع القول أن بداية المباراة كانت مع فريق التجار، الذين وجدواً في القرار سبيلاً لتأمين المادة في الأسواق السورية بجودة عالية وبأسعار مناسبة، خاصة أن توصية غرفة تجارة الريف جاءت معلّلة الطلب بالأسعار المرتفعة للسيراميك السوري وبعدم جودة ما ينتج منه في المصانع السورية.
يوضح مهند زيد عضو غرفة تجارة دمشق، أن اهتمام غرف التجارة ينصبّ أولاً في مصلحة التاجر وليس الصناعي، وأن توصية الغرفة جاءت بعد طلب مستوردي السيراميك السماح باستيراد المادة.
كما أن السوق تنافسي ولا يمكن أن يقوم شخصين أو أكثر باحتكار أي مادة فيه، برأي زيد، الذي أوضح أنه في حال وجود عدة أشخاص منتجين ومستوردين لهذه المادة، حينها ستتحقق التنافسية في السوق السورية، وسيكون المستفيد الأوّل من ذلك هو المواطن.
وأضاف: السيراميك حاجة أساسية في مرحلة إعادة الإعمار وفي الإكساء، وفي حين أن أسوأ متر منه “إنتاج سوري” يصل إلى حوالي 150 ألف ليرة، فإن هذا الرقم سيكون مخفضاً أكثر في المستورد منه، وبالتالي سنتمكن من تأمينه للمواطن بسعر أقل.
وفي حديثه عن القرار، أفاض زيد بإيجابيات استيراد السيراميك التي لن تتوقف عن تخفيض الأسعار فحسب، بل أيضا ستنعكس على الجودة، فالأجنبي سيدخل بجودة أعلى وسعر أرخص، والزبون له حرية الاختيار والشراء من النوع المناسب له، مؤكداً أن ذلك لا يتعارض مع دعم الإنتاج المحلي.
وأضاف زيد أن ما قامت به اللجنة الاقتصادية من تخفيض السعر الاسترشادي هو دليل واضح على الرغبة الحكومية في تأمين المنتج للمواطن بوفرة وبسعر أقل.
وفي اتجاه مماثل يرى عضو غرفة تجارة ريف دمشق أن السماح باستيراد السيراميك له أهمية على الاقتصاد الوطني، من حيث أن هذه المادة تدخل لسورية بكل الأحوال، سواء تهريب أو بشكل نظامي، ولكن هذا الإجراء من شأنه أن ينظم دخولها، بحيث تدخل بشهادات نظامية وبمواصفات صحيحة، إضافة إلى سعر مناسب، بعيداً عن تحكّم المهربين بتسعيرتها، مشيراً إلى أن النقطة الأهم في ذلك هي استيفاء رسومه الجمركية بشكل نظامي وبالتالي تعود هذه الرسوم لخزينة الدولة.
لكن كما يُقال ” الحبل عَ الجرّار” حيث كشف زيد أن البداية كانت مع السيراميك وحالياً هناك عدة مواد قيد الدراسة للطلب باستيرادها، والعمل جارٍ على كل ما من شأنه أن يساهم في تخفيض الأسعار على المواطن.
وفي النهاية وفي حال وجد الصناعيين أن هذا القرار يضر بصناعتهم، فليتقدموا عن طريق غرفتهم بطلب لرئاسة الحكومة مع توضيح المشكلات التي تعترضهم في إنتاجهم السيراميك السوري، وأسباب ارتفاع أسعار المنتج لديهم، إضافة إلى طلباتهم في هذا الشأن، وهي ستقرر بعد ذلك ما شأنه أن يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني أولاً وأخيراً، والكلام هنا لمهند زيد.
حكم “غيابي”
أما الفريق الثاني، ” أي الصناعيين” وبعد سهرة حسابات طويلة انتهت بخسارته جزءاً كبيراً من الأرباح التي كان يجنيها من بيع السيراميك، قرر ألا يضع يده على خده باكياً نادباً ما جاء في قرار السماح الممهور بختم رئاسة مجلس الوزراء، وبدأ رحلة المطالبة بإلغاء القرار والعودة عن السماح باستيراد المادة، خاصة أن مستودعاتهم تغصّ طافحة بأطنان المنتج المخزّنة فيها، والتي تنتظر مشترياً “من غامض علمه”، خاصة بعد أن عكف كثير من التجار عن شراء السيراميك السوري وإلغاء الطلبيات المتفق عليها مع المصانع بعد القرار وذلك بحسب ما أكده محمد أورفه لي عضو غرفة صناعة دمشق.
أورفه لي بدا مستغرباً من سرعة الحكومة في اتخاذ قرارها، دون أن تجتمع مع الصناعيين، أو حتى تناقشهم في القرار المزمع اتخاذه بحقهم، مؤكداً أن القاضي لا ينطق بالحكم إلا بعد سماع الطرفين أما الحكومة فقد: “حكمتنا غيابياً” كما قال.
وتساءل أورفه لي كيف يتم السماح باستيراد السيراميك، في حين أن السوق المحلية بحاجة لمنتجات أخرى غذائية وغير غذائية أكثر أهمية منه، ممنوع استيرادها وليس لها إنتاج محلي.
وعلى الرغم من تأكيده على عدم مطالبته بالسماح باستيراد الإسمنت إلا أنه رأى أن هذا المنتج أكثر أهمية في مرحلة إعادة الإعمار، كما أن أسعاره المحلية أكثر من العالمية بأضعاف، ففي الوقت الذي يباع فيه الإسمنت السوري بأكثر من ١٥٠ دولار، نجده في الأسواق العالمية بحوالي ٥٠ دولار، أي أقل منه بضعفين.
وبين عضو غرفة صناعة دمشق وريفها أن هناك أربع مصانع توقفت عن العمل بعد قرار السماح بالاستيراد، وكل مصنع لديه أكثر من خط إنتاج واحد، إضافة إلى تراجع عدد كبير من التجار عن الطلبيات التي كانوا متفقين عليها مع مصانع السيراميك، منتظرين بدء استيراد السيراميك الأجنبي.
ورد أورفه لي على ما جاء في توضيح اللجنة الاقتصادية من إحداث التوازن بين مستهلكي مادة السيراميك في السوق المحلية، والمنتجين المحليين، مؤكداً أن ذلك ممكن في حال عدم وجود منتج محلي، لكن في الواقع البضائع كثيرة، وفائضة عن الحاجة: “فعن أي توازن يتحدثون؟”.
أما الغرفة، أي بيت الصناعيين “الأول” فلم تقف إلى جانب صناعييها، ولم تؤيد طلباتهم ولا حتى بالكلام، بل أدارت ظهرها لهم، وكانت الصوت المعارض لحقوقهم، كما يؤكد أورفه لي، الذي بين أن الأذى الكبير الذي يلحق صناعيي السيراميك هو من الغرفة، خاصة أن رئيس غرفة الصناعة غزوان المصري رفض طلبهم برفع كتاب لرئيس مجلس الوزراء يتضمن الطلب بالعودة عن قرار السماح بالاستيراد.
ما جاء به أورفه لي عن إغلاق غرفة الصناعة أذنيها عن طلباتهم، أكده صناعي ٱخر فضّل عدم الكشف عن اسمه، مشيراً أنها تغلق الباب في وجه كل محاولات الصناعيين في التواصل مع الحكومة.
وبين الصناعي أن إلقاء التهم جزافاً لا يمكن أن يكون منطقياً، فكيف يشاع عن عدم تحقيق أي منتج سوري للجودة المناسبة، بينما في دول الخارج يستشهد بهذا المنتج من ناحية الجودة، ومطابقته للمواصفات العالمية.
إيجابيات لاحقة
لكن هذه المباراة الاقتصادية كما غيرها من المباريات، لا تضم فقط الفرق اللاعبة على الأرض، بل أيضاً هناك مشجعين ومعارضين للعب، وهو ما ظهر من معارضة أهل البيت الواحد لبعضهم، حيث انبرى صناعي آخر لتوضيح حيثيات “اللعبة كما وصفها”، مشيراً أن ما جاء به صناعيو السيراميك حول إيقاف مصانعهم نتيجة لقرار السماح باستيراد السيراميك، ليس دقيقاً مئة بالمئة.
وأن ما أغضبهم في القرار الحكومي لا يتعدى أنه سيكون سبباً في التقليل من أرباحهم الفاحشة التي تعودها على تحصيلها من هذه الصناعة، والتي قرر التجار مؤخراً مشاركتهم بها عن طريق الاستيراد.
ونفى الصناعي أن يؤدي قرار السماح باستيراد السيراميك إلى توقف إنتاجه في سورية، مؤكدا أنه قد ينطوي على بعض النتائج الإيجابية التي ستظهر لاحقاً والتي ستبدأ بتخفيض الأسعار ولن تنتهي عند تحسين جودة المنتج، خاصة عندما يشعر منتجوه أن صناعتهم مهددة وأرباحهم آيلة إلى الانخفاض، حينها سيسارعون بكل إمكانياتهم لتحسين جودتها مع تخفيض سعره بغية منافسة الأجنبي.
وأيد الصناعي عمل الحكومة في فتح السوق أمام المنتجين والمستوردين على حدٍ سواء، وبالتالي محاولتها وبشكل واضح لمنع الاحتكار الذي كان سبباً في تحكم قلّة بإنتاج وتسعيره هذا المنتج وغيره.
ميزان حكومي
أما الحكومة “حكم المباراة” وصاحب الكلمة الفصل في مشوار الأخذ والرد الصناعي – التجاري، فما عليها إلا أن تعود وكما كل مرة لممارسة دور الأم الرؤوم التي لا تقبل نشوب أي خلاف بين أبنائها، لتضع كلاً من كلام التجار ومبررات الصناعيين في دفتي ميزان، ومعاينة من سيكون منهم قادراً على إثقال كفته بالحجة الواضحة وبالدليل القاطع، وبالبرهان الدامغ، “الحق طبعا”، و حتماً بما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الاقتصاد الوطني وتقديم المنتج للمستهلك السوري بجودة وبأسعار مناسبة.
أخيرا
على الرغم من أن القرار يمس صناعييها، إلا أن غرفة صناعة دمشق وريفها وخلال الاجتماع الذي عقدته مع صناعيي السيراميك اعترفت بمرونة التكلفة التي تتمتع بها المنتجات المستوردة بسبب انخفاض مدخلات إنتاج المنشآت الصناعية بالخارج، وخاصة ما تتطلبه من محروقات وحوامل الطاقة، مقارنة مع التكاليف العالية لحوامل الطاقة في سورية نتيجة العقوبات الجائرة.
وطالب رئيس الغرفة غزوان المصري الحضور –خلال الاجتماع- بوضع دراسة تشمل تأثير هذا القرار على الصناعات الناشئة على أن تتضمن الدراسة حساب بيانات الكلف للمنتج المحلي مقارنة مع المنتج المستورد، إضافة لوضع تصور للسعر الاسترشادي المناسب ولنسبة الضميمة على المنتج المستورد التي تشكل الحماية الأفضل للمنتج المحلي، مبيناً أن هذه الدراسة ستشكل صورة واضحة لواقع المنتج السوري وتوفير ما يفتقده السوق من الأنواع والمقاسات والجودة التي يحتاجها السوق المحلي من السيراميك المستورد.
وعلى عكس ما نقله بعض الصناعيين، وعد المصري، بنقل مخرجات وتوصيات هذه الدراسة الشاملة ووضعها على طاولة الحكومة والتواصل بخصوص قرار السماح باستيراد السيراميك وحماية المنتج الوطني والاستمرار بالعملية الإنتاجية لتغطية حاجة السوق.
البعث