أخبار الصناعة السورية:
نتيجة لعشرات السنوات من السياسات الحكومية الخاطئة وعدم التركيز على الحد من هدر المياه مترافقاً مع متغيرات مناخية متسارعة أوصلت الزراعة إلى الوضع المتقلقل الذي نتخبط فيه الآن، من جراء الافتقار إلى التوجه التكاملي اللازم، ويأتي ذلك بسبب إهمال وعدم حماية الموارد المائية وعدم أخذ ما قد نصل إليه بعين الاعتبار، فالعديد من الآبار تجف، وبات ما كان مخفياً وغير واضح يهدد مواردنا المائية، وبالتالي بدأنا نشهد شحاً ملحوظاً ومقلقاً.
وحيال كل ذلك كانت الحكومة تلوح بين الحين والآخر بمشروع الري الحديث وأنها جادة في إصلاح استخداماتنا المائية للزراعة، فتمضي أيام وأسابيع وينتهي كل شيء حول ذلك.
مدير عام مؤسسة مياه حماة الدكتور مطيع عبشي بيّن أن قرار وزارة الموارد المائية بعدم الموافقة على منح قروض دعم صندوق الطاقة لتركيب ألواح شمسية لآبار الري المرخصة كان صائباً، فمع ترشيد المياه وعدم استنزاف المياه الجوفية والتركيز على الأمن المائي المستدام بتنا اليوم بأمسّ الحاجة إليه.
ويضيف الدكتور عبشي: إدارة الموارد المائية اليوم في وضع حساس جداً مع المتغيرات المناخية المتسارعة، والجفاف الذي يضرب العالم ما جعل التبدلات المائية شديدة الخطورة ما يشكل تهديداً خطراً لمواردنا المائية المستدامة.
وعن الحل والتوجه الذي يجب التركيز عليه أوضح الدكتور عبشي، لابد من إيجاد العديد من الخيارات إذا ما أردنا لمياهنا الاستدامة، فأولى الخطوات هي الترشيد والتركيز على الري الحديث، إذ إن الري بالراحة يؤدي إلى فقدان حوالي ٦٥ بالمئة من مياهنا العذبة لمحاصيل قد تكون مهمشة أحياناً أي غير استراتيجية.
ومن أجل مياه مستدامة لنا ولأجيالنا القادمة لابدّ من اتخاذ تدابير صارمة وجادة، فجفاف الأنهار والآبار صفارة إنذار يجب ألّا تمر كالصمت في المآتم، وعندها لن يفيد الندم.
وختم الدكتور مطيع عبشي حديثه قائلاً: قليلة هي الدول التي تستخدم مياه الشرب لأغراض غير الشرب، ما يشكل هدراً مخيفاً، وكل العالم يشرب عبر عبوات، فالمياه نعمة وحياة وفقدانها كارثة حقيقية.
الزراعة المهمشة تستهلك المياه العذبة
من ناحيته أوضح الدكتور وسيم عدلة رئيس مركز بحوث الغاب الزراعية أن أنظمة الري لدينا ما زال جلها تقليدياً وغير مناسب اليوم مع تسارع المتغيرات المناخية الشديدة، الأمر الذي يدفع المزارعين للإكثار من سقاية المحاصيل الزراعية وهذا بدوره يستهلك المزيد من المياه وقد تكون لمحاصيل مهمشة غير اقتصادية وإستراتيجية أيضاً.
خبير: أكثر من ٧٠ بالمئة من مياهنا العذبة تستخدم لإرواء المحاصيل
وزاد الدكتور وسيم: إنّ أكثر من ٧٠ بالمئة من مياهنا العذبة تستخدم لإرواء المحاصيل، مع الإشارة إلى أن كفاءة المياه تتراجع عاماً إثر عام، ما يقتضي إيجاد حلٍّ سريع يتمثل بالتركيز على مشروع الري الحديث مهما كانت تكلفته،لأن نتائج عدم تنفيذه ستكون باهظة كثيراً.
وختم رئيس مركز بحوث الغاب الزراعية حديثه بأن كل دول العالم اليوم بدأت تزرع محاصيل أقل حاجة للمياه وهذا ما تعمل عليه البحوث العلمية الزراعية عندنا، من خلال استنباط أصناف بذرية أكثر مقاومة للجفاف وأقل حاجة للمياه، وهذا يحتاج إلى وقت.
حاجة ملحة لإصلاح السياسات المائية
من ناحيته أكد مدير موارد حماة المائية المهندس توفيق علوش أنه لم يتم منح أي موافقة لحفر بئر واحدة منذ سنوات، وتركيب الطاقة الشمسية على الآبار يعني استنزاف المياه الجوفية، ولذلك ارتأت الوزارة عدم منح موافقات للحصول على دعم صندوق الطاقة الشمسية فيما يتعلق بالشأن الزراعي.
بالمختصر المفيد؛ مسألة المياه ذات حساسية شديدة لم تلقَ الاهتمام الكافي طوال السنوات العشر الماضية رغم كل التحذيرات العالمية من خطورة تسارع المتغيرات المناخية، بل كانت الحكومات المنصرمة تعدّ إدارتها للسياسات الزراعية والمائية معاً انتصاراً، رغم كل الانتقادات .. فلا هي أفلحت في القطاع الزراعي الذي يجب التركيز عليه، ولا في الحفاظ على الأمن المائي واستدامته رغم أنه جوهر الحياة البشرية، وبالتالي فإنّ طرفي المعادلة في خطر على المدى البعيد، وقد يقول قائل: لا توجد حالياً وصفة جاهزة، لكن من غير المفيد الاستمرار في السياسات المائية والزراعية المتبعة منذ عقود . نعرف أن الجفاف خارج سيطرة الدولة، لكن يمكن اتخاذ تدابير وقائية تحدّ وتخفف من شدة ووطأة الكارثة، ومن لا يصدق فليتفقد آبار مياه الشرب كيف بدأ العديد منها بالجفاف.
تشرين