أخبار الصناعة السورية
فرض الواقع الاقتصادي الصعب طريقة تعاطٍ مختلفة عند صناعيي مدينة حلب، عبر التوجه نحو صناعات أقل تكلفة وأكثر استهلاكاً بالوقت الحاضر، وتحديداً في القطاع النسيجي والغذائي وخاصة أن المواد الأولية لهذين القطاعين غير متوافرة، وإن وجدت ستكون الأسعار مرتفعة جداً.
هذا الحال أشار إليه محمد صباغ عضو في غرفة صناعة حلب عبر تأكيده بداية عدم حصول انزياح في صناعات معينة على حساب أخرى كما يروج، وخاصة أن جميع الصناعات تعاني ظروفاً صعبة بسبب العقوبات الاقتصادية وظروف التصدير الصعبة وارتفاع التكلفة وعدم توافر المواد الأولية، لكنه عاد ليشدد على أن هذه الظروف دفعت بصناعيين كثر إلى الانتقال إلى صناعة أخرى ضمن القطاع نفسه كونها أقل تكلفة وأكثر طلباً، إذ تحول الصناعيون الذين كانوا يصنعون المواد الأولية والأقمشة والبرادي إلى صناعة الألبسة كون رأس مالها أقل وأكثر طلباً في الأسواق الخارجية والسوق المحلية، والأمر ذاته ينطبق على الصناعات الغذائية، حيث انتقل بعض الصناعيين من تصنيع الصناعات الثقيلة كالحلويات والشوكولا وغيرها إلى تصنيع الزيوت والسمون ومستلزمات الضيافة وأكلات الأطفال كالشيبس، مع التوجه نحو زيادة خطوط التعبئة.
صعوبات الاستبدال
ولم ينف الصباغ وجود صعوبات وضغوط واجهت الصناعيين عند الرغبة باستبدال صناعة بأخرى وخاصة في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، حيث يمنع القانون هذا الإجراء، الذي طالب به الصناعيون منذ 2019، لكن لم يسمح به حتى الآن في المدينة الصناعية، بينما يجيز للصناعيين في المناطق الصناعية الأخرى العمل به.
على حساب النوعية
في حين يرى تيسير دركلت نائب رئيس القطاع الهندسي في غرفة صناعة حلب ورئيس لجنة منطقة العرقوب الصناعية أن هذا التوجه جاء على حساب النوعية، وتحديداً في مجال الصناعات الغذائية، فاليوم نشطت الصناعات المعتمدة على المأكولات السريعة كالشيبس، لكنها ليست بالنوعية الجيدة التي كانت تصنع بها سابقاً، لكن ذلك لا يعني زيادة في عدد المنشآت العاملة في هذا المجال، حيث كانت حلب تضم قرابة 137 معملاً ومثلها غير مرخص قبل الحرب، وحالياً لا يوجد سوى 30 معملاً مختصاً بإنتاج هذه السلع، وذلك بسبب ضعف حركة الأسواق الخارجية وانقطاعها بسبب الحصار، فالعراق كان يعد سوقاً رئيسية للمنتجات السورية لكن بسبب الظروف الحالية أصبح يأخذ حاجته من تركيا وإيران، إضافة إلى صعوبات التصدير ونقل الأموال والحصول على الفيزا عند إقامة المعارض، ما جعل حركة التصدير محدودة، بالتالي لا يجد الصناعيون منفذاً لتصريف منتجاتهم.
حركة محدودة
وبناء على هذا الواقع يشير دركلت إلى أن كل الصناعات حركتها الإنتاجية ضعيفة مقارنة بفترة ما قبل الحرب، فجميع حلقات صناعات القطاعات الأربعة تأثرت بشكل واضح جراء عدم توفر المواد الأولية، فاليوم عدد كبير من معامل الزيت متوقفة، وكذلك المعامل التي تعتمد على مادة السكر والقمح، وذات الأمر نجده في القطاع النسيجي، الذي يعاني بسبب عدم توفر مادته الأولية الأساسية القطن.
ورغم كل هذه الصعوبات يرى دركلت أن الواقع الصناعي في الوقت الحالي أفضل بكثير من عام 2015، فمثلاً في العرقوب كانت هناك 400 منشأة فقط لكن اليوم توجد 1600 منشأة، بالمقابل لا يجد من الصحيح مقارنة الفترة الحالية بفترة ما قبل الحرب، ففي المدينة الصناعية في الشيخ نجار كان يتواجد هناك أكثر من 2000 معمل ومنشأة لكن اليوم عددها يصل إلى 600 فقط.
صناعات مهاجرة…؟!
التأكيد على عدم حصول انزياح في صناعات على حساب أخرى يقابله حديث عن حصول تغير في الخارطة الصناعية في مدينة حلب، وهو ما يبينه الصناعي دركلت رئيس لجنة منطقة العرقوب الصناعية بتأكيده أن نتيجة ظروف الحرب وخاصة بعد تضرر مناطق صناعية أكثر من غيرها، انتقل صناعيو مناطق خان العسل وكفر حمرا والزربة إلى مناطق أكثر أمناً ودعماً، هو ما أطلق عليه الصناعات المهاجرة، حيث أنشأ هؤلاء الصناعيون معامل في المناطق الصناعية الواقعة في مركز المدينة أو على مقربة منها على أمل العودة إلى مناطقهم عند تحريرها، وهو لم يحصل لحد الآن بسبب صعوبة تأهيل منشآتهم وتأمين احتياجات الإنتاج وخاصة الكهرباء.
يؤيده الصناعي الصباغ بتأكيده أن صناعيي بعض المناطق المتضررة هاجروا إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار أو إلى المناطق الصناعية القريبة من مركز المدينة كالكلاسة والعرقوب والليرمون والشقيف، حيث يوفر ذلك عليهم أجور نقل البضائع والعمال، إضافة إلى ميزة توفر الكهرباء والحماية الأمنية لهذه المناطق، لذلك لم يرجعوا إلى معاملهم وخاصة أن عودتهم تعني تحمل تكاليف إضافية كبيرة في ظل عدم توافر الكهرباء كما المناطق الصناعية القريبة من مركز المدينة.
تشرين