أخبار الصناعة السورية:
يتراجع تدريجياً حضور الصناعات الجلدية الوطنية في الأسواق المحلية كما الخارجية، ليحلّ محلها جلديات صناعية بنوعيات رديئة، وسط تدهور كبير في واقع صناعة الجلود بكل مراحلها، وما يقابله من ضعف في القوة الشرائية يجعل “الرديء” آخر الخيارات المتبقية للمستهلك، فالمنتَج الجيد اليوم لم يعد خياراً متاحاً لدى المواطن الذي يدرك أنه يحتاج راتبين أو ثلاثة لشراء حذاء أو حقيبة جلدية جيدة، ما حدا بالكثيرين من تجار الجلديات لعرض أنواع متوسطة ورديئة لعلها تجد سوقاً أفضل.
لا يتجاوز 10%
حتى الأسواق التصديرية التي كانت تستقطبُ المنتجات الجلدية بكثرة، خلت اليوم من الصناعة السورية لأسباب عدة، منها ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، أو تقييد بعض الدول للاستيراد، حيث تمنع الأردن دخول الجلديات السورية إليها لتصل عن طريقها إلى دول الخليج، مما جعل بعض التّجار يشحنون البضاعة إلى لبنان ومنها إلى الأردن تحت مسمّى “صنع في لبنان”، وفق ما أوضحه لنا رئيس لجنة الجلود في وزارة الصناعة- هيئة المواصفات والمقاييس، محمد خير درويش، الذي أكد أن تصدير الصناعات الجلدية في الحدود الدنيا ولا يتجاوز 10%.
عقبات القطاع
درويش أشار إلى تراجع الإنتاج بنسبة 60%، إثر عقبات عديدة تواجه القطاع، إذ لم يبق سوى 17 دباغة تعمل بشكل متقطع من أصل 228 دبّاغة كانت متوزعة في المحافظات، وبعد نقل الدباغات من الزبلطاني إلى عدرا الصناعية، بدأت المعاناة مع المياه الكلسية في المنطقة والتي لا تناسب دباغة الجلود، فأصبح الصناعي مضطراً لشراء مياه نظيفة أو مواد لتصفية وتنقية المياه، وكلاهما يشكل تكلفة وعبئاً إضافياً، حيث يتطلب برميل الجلد المدبوغ ما يقارب 20 برميل مياه، فضلاً عن أزمة المحروقات والنقل ونقص اليد العاملة، فبعد أن خسر القطاع 75% من عامليه لم يبقَ اليوم سوى 5000 عامل في مختلف المحافظات.
وأشار درويش إلى ارتفاع سعر المواد الأولية الداخلة في صناعة الجلديات، خاصة وأن 80% منها مستوردة، حيث تأثرت بتقلبات سعر الصرف والتمويل من المصرف المركزي وارتفاع الأجور العالمية للشحن، موضحاً أن التمويل يتمّ ببطء شديد ولكميات قليلة، فمن بين كلّ 10 إجازات استيراد يوافق على تمويل إجازة، بحجة أولويات استخدام القطع، وبعد الحصول على موافقة التمويل يتمّ تحويل الإجازة لإحدى شركات الصرافة، التي يتطلب التحويل منها للدولة المصدّرة 3 أشهر، ومثل هذه المدة للشحن من المصنع إلى المرفأ، وحتى تصل المواد للمصنع أو للمنتج من المرفأ تتطلّب شهرين، أي أن حركة رأس المال تستمر لـ9 أشهر وهو أمر يضرّ بأي قطاع، و”ما بتوفي” مع المنتج نظراً لتغيّرات سعر الصرف خلال هذه الفترة الطويلة.
أغلى من المستورد
ومع بداية الموسم الشتوي بيّن درويش أن الأسعار ارتفعت عن العام الماضي بنسبة 30 – 35%، غير أنه لم يبدِ تفاؤلاً بالموسم الشتوي، لأن الأسعار مرتفعة جداً قياساً بالقدرة الشرائية، فثمن البوط الجلدي الجيد يتراوح بين 150-180 ألف ليرة، وحركة الأسواق ضعيفة جداً، وهي في تراجع مستمر.
أما عن النوعيات الرديئة التي غزت الأسواق، فقد أوضح درويش أن هناك من اتجه لتدني الجودة بهدف تخفيض التكاليف والسعر، فتكلفة الجلد الطبيعي مرتفعة جداً، وأكثر من 70% من المعروض حالياً في الأسواق بجودة متوسطة ورديئة، إلا أنه حتى الأحذية الرديئة لا تجد التصريف المطلوب لها، مؤكداً أن المنتج المحلي اليوم أغلى ثمناً من المستورد، وإن استمر الوضع على حاله سنتجه من بلد منتج إلى مستورد قريباً.
600 ورشة “غير مرئية”!
ودعا درويش إلى دعم الصناعيين والحرفيين بإعطائهم أماكن للورشات، وقروضاً صغيرة ومتوسطة للنهوض بعملهم، فالحرفي اليوم لا يجد حاضنة له، ويوجد بدمشق 600 ورشة صغيرة بمناطق سكنية وأقبية، كلها غير نظامية وليس لديهم سجل تجاري، لأن الإدارة المحلية لا تعطيهم صفة تجارية في مناطق سكنية، ولا يسمح لهم بالحصول على ترخيص إداري، مؤكداً أن النهوض بالقطاع الصناعي يتطلب دعم الورشات الصغيرة أولاً، لأن تكاليف الحرفي أقلّ بكثير من الصناعي في المدينة الصناعية، لذلك يجب إيجاد أماكن قريبة من دمشق للحرفيين تتيح لهم مواصلات ميسّرة، وإعطائهم سجلاً تجارياً وصناعياً.
كما أشار درويش إلى أن 90% من البضاعة الموجودة في السوق اليوم لا يمكن فوترتها، فمصدرها تلك الورشات التي لا تملك أية وثيقة رسمية!.
البعث