موظفون: عملنا استعباد واستغلال..  وخبير يحذر: انخفاض الأجور بالقطاعين العام والخاص سيؤدي إلى تدني جودة الأعمال وإلغاء الولاء الوظيفي وتفشي الفساد!!

أخبار الصناعة السورية:

هل استوقفك يوماً ما إعلان على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» يطلب موظفاً بدوام يصل إلى ثماني ساعات يومياً وبأجرٍ شهري لا يتجاوز الـ150 ألف ليرة، في إحدى الشركات أو متاجر الألبسة؟.

كل الاحتياجات تزداد وتتضاعف، إلا الرواتب ثابتة نسبياً، وحين ترتفع، يكون كل ما سبق تجاوزها، فنعود إلى المريع الأول. وحين يتم الهرب من القطاع العام إلى الخاص، يفاجأ «الهاربون» بأن فرق الأجر لا يكاد يذكر في كثير منها، مع تشديد ورقابة صارمة أكثر بكثير، تصل أحياناً إلى التعامل اللا إنساني مع الموظفين.

استغلال داخلي وخارجي

وعن بعض التجارب في القطاع الخاص، تصف يارا (طالبة جامعية) عملها في إحدى شركات الحوالات المالية المعروفة بدمشق بـ«الاستعباد»، هذا العمل الذي استنفد كل طاقاتها حسب وصفها وبأجر لا يتجاوز الـ90 ألف ليرة بدوام يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساء، مع احتمالية البقاء ساعة إضافية في حال وجود عطل في البرنامج الحاسوبي دون أي تعويض مالي عن ذلك.

وتتابع يارا: «كما يحاسبنا وكيل الفرع عن كل خطأ صغير مهما كان نوعه، وذلك بالخصم من أجرنا المخصوم أصلاً، ناهيك عن منعنا من طلب إجازات أو الخروج لأي أمر طارئ خلال ساعات العمل، عدا أعمال التنظيف المكتبية التي تُسنَد إلينا كموظفين أيضاً».

والطامة الكبرى أن هذه الأجور القليلة لم تقتصر على الشركات المحلية الترخيص، وإنما وصلت إلى الشركات الخارجية التي تطلب أعمالاً على الإنترنت من المنزل، إذ تشير ماري (خريجة كلية الإعلام في دمشق) إلى أنها تعمل محرّرة في أحد المواقع الإلكترونية الخارجية، بأجرٍ يصل إلى 100 ألف ليرة مقابل القيام بتحرير 25 مادةً صحفيةً خلال ثماني ساعات يومياً، مع إعطاء عطلة ليومٍ واحدٍ في الأسبوع.

صعوبة رفع الأجور

لدى تواصلنا مع أحد أرباب العمل (صاحب محل ألبسة في سوق الحميدية)، أشار إلى أنه يعطي العامل أجراً مقداره 40 ألف ليرة أسبوعياً، معتبراً أن هذا الأجر جيّد وخاصّة أنه يخبر العامل قبل مباشرته بالأجر الذي سيعمل به شفهياً، والعقد شريعة المتعاقدين.

وفي السياق، لم ينفِ صاحب العمل المذكور أن مبيعاته جيدة وسعر أي قطعة ملابس عنده مهما كان نوعها لا يقل عن 30 ألف ليرة، ولكن هناك تكاليف أخرى مثل ضرائب المحل وأجور النقل وغير ذلك من الأمور التي تفرض عليه ألا يرفع الأجور، متابعاً: «لديّ سبعة عمال فإذا أعطيتُ رواتب أكثر من ذلك فسأضطر للاقتراب من رأسمال البضائع، علماً أنني أستطيع الاكتفاء بثلاثة عمال بأجور مرضية لهم، ولكنني أعتبر محلّي مصدر رزق لسبع عائلات».

قانون العمل لا يلزمَ

من جهته، أكد مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود دمراني أن الوزارة تعمل على حماية حقوق العمال الخاضعين لأحكام قانون العمل رقم (17) لعام 2010 وحصولهم على الأجر الذي يستحقونه مقابل ساعات العمل، وضمان حق العامل في الراحة الأسبوعية والإجازات السنوية والعطل والمناسبات الرسمية، إضافة إلى الضمان الاجتماعي المتمثل في التسجيل لدى فرع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

مضيفاً إن سورية تلتزم بالاتفاقية رقم 131 التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية عام 1970 والخاصة بضرورة تحديد الحد الأدنى للأجور في البلدان النامية وعدم تجاوزها، مشيراً إلى أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص وصل إلى 92.970 ليرة، علماً أن الوزارة غير مختصة بزيادة هذا الحد، وإنما يعود الأمر لمرسوم تشريعي يصدر من رئيس الجمهورية.

وإلى ذلك، أشار إلى أن المادة 72 من قانون العمل نصّت على أنه يحدد الأجر في عقد العمل الفردي، أو بالاستناد لاتفاق العمل الجماعي، أو للنظام الأساسي للعمل في المنشأة، أما إذا لم يحدد الأجر بأي من هذه الطرق استحق العامل الحد الأدنى للأجر في المهنة أو الحرفة ذات العلاقة، مضيفاً: يجب على صاحب العمل أن يشترك عن العامل بالتأمينات الاجتماعية وفق الأجر الحقيقي الذي يحصل عليه العامل وليس وفق الحد الأدنى العام للأجور وإلا اعتبر مخالفاً لأحكام قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية.

وردّاً على بعض أصحاب العمل الذي لا يلتزمون بإعطاء أجور على ساعات العمل الإضافية، بيّن دمراني أن قانون العمل يلزم بمنح العامل عن ساعات العمل الإضافية أجر الساعة العادية مضافاً إليه 25 بالمئة عن ساعات العمل النهارية و50 بالمئة عن ساعات العمل الليلية، وتضاعف هذه النسبة في حال وقوع ساعات العمل الإضافية في أيام الراحة الأسبوعية أو الأعياد والعطل الرسمية.

أجر جيد؟!

وأشار دمراني إلى أنه لاحظ في معرض عمله أن نسبة عظمى من الأجور في العقود التي ترد إليه للتسجيل في التأمينات الاجتماعية تتراوح بين 150-200 ألف ليرة، وهذا يعتبر أجراً جيداً، لافتاً إلى أنه في كثير من الأحيان يتم تحديد أجر قليل في بداية العمل قد لا يتجاوز بكثير الحد الأدنى للأجور ويُسجَّل في العقد، مع إعطاء وعود للعامل بزيادته بشكل تدريجي خلال العمل، ويستطيع العامل الشكوى في حال عدم الالتزام.

وتابع: «أشار قانون العمل إلى أن عمال القطاع الخاص الحق في الزيادة الدورية للأجور مرّة كل سنتين بنسبة 9 بالمئة كحد أدنى والترفيع الدوري تبعاً لجهودهم المبذولة في العمل».

وفي السياق ذاته، كشف دمراني أنه تم تحصيل مبلغ 110 ملايين ليرة، من المنشآت المخالفة لقانون العمل، وذلك خلال العام الفائت نتيجة إصدار 520 قرار غرامة في1200 زيارة تفتيشية.

العمل بغير اختصاص يلغي الخبرة

الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق شفيق عربش أرجع أسباب انخفاض الأجور في القطاع الخاص إلى ندرة فرص العمل الموجودة، فما إن يطرح أحد ما فرصة عمل مهما كان نوعها حتى يتهافت عشرات الشباب للحصول عليها، والقبول بأي أجر معقول، مشيراً إلى أن خريج المعهد يجب ألا يقبل بأجرٍ يقل حده الأدنى عن150 ألف ليرة، أما الخريج الجامعي الذي يمتلك خبرة جيدة فيجب أن يكون الحد الأدنى لأجره نحو 450 ألف ليرة، علماً أن متوسط الرواتب الحالي لمن يعملون باختصاصهم هو 200 ألف ليرة، بساعات عمل أسبوعية تفوق بكثير ساعات العمل في القطاع الحكومي.

وتابع: «هناك ظاهرة انتشرت بسبب قلة فرص العمل وهي أن يعمل خريجو الجامعات ضمن مهن ليس لها علاقة باختصاصاتهم، في المطاعم أو المقاهي مثلاً كأي عامل غير مؤهل، لذا لن يدخل هنا موضوع الخبرة أو الشهادة في تحديد الأجر»، مشيراً إلى أن سوق العمل غير مضبوط أو مقونن.

الظروف الاقتصادية ليست سبباً

ويرى عربش أن الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الأولية وأجور الشحن وما إلى ذلك ليس لها أي تأثير على تدني رواتب الموظفين في القطاعات الإنتاجية، لكون أرباب العمل حمّلوا جميع التكاليف وارتفاع الأسعار والرسوم والضرائب على سعر المنتج الأخير، وإلا فكيف سيفسر معدل التضخم خلال الأشهر الأربعة الأخيرة والذي وصل إلى 100 بالمئة؟

وفسّر عربش ظاهرة استغلال جهود الشباب من قبل أرباب الأعمال في الشركات الخارجية، بأن صاحب العمل في دول الخارج يعرف حق المعرفة واقع سوق العمل الضعيف في سورية ويحاول استغلال ذلك بإعطاء أجور متدنية، كما يوجد فئة من أرباب العمل يعتبرون أن مبلغ 100 ألف ليرة هو مبلغ كبير قياساً على الرواتب في دولتهم، ولأنهم ليسوا على دراية بما آلت إليه الأسعار في سورية.

قانون العمل من أسوأ القوانين!

واعتبر عربش أن قانون العمل الأساسي في الدولة من أسوأ القوانين التي صدرت في سورية لأنه جاء لمصلحة أرباب العمل على حساب العامل، إضافة إلى أنه قتل الحافز عند العاملين في الدولة، لكونه يعامل جميع الموظفين سوية مقابل راتب موحد، سواء كان هذا العامل يعمل أم لا، إضافة إلى عدم وجود توصيف وظيفي ولا منافسة للحصول على المراتب الأعلى في الوظيفة، واصفاً مشروع الإصلاح الإداري الذي تتحدث عنه وزارة التنمية الإدارية بـ«مجرد كلام» وخاصة أن الجهات العامة هي أول من تخترقه.

رفع الحد الأدنى سيرفع الأسعار حتماً

من جانبه أكد الخبير التنموي ماهر رزق ضرورة تحديد الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الحاجات الأساسية للأفراد، وذلك وفق ما نصّت عليه الدساتير من جهة، واتفاقيات العمل الدولية الأساسية التي انضمت إليها جميع الدول بما فيها سورية من جهة أخرى.

ويرى رزق أن واقع سوق العمل غير متوازن، وأنه لا يمكن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص من دون رفعه في القطاع العام، وهذا الأمر شبه مستحيل وذلك نظراً للتكلفة الكبيرة الناجمة عن رفع أجور موظفي القطاع العام وإرهاق الميزانية العامة المنهكة أصلاً، إضافة إلى أن هذا الرفع سيكون ذريعة للقطاع الخاص لرفع أسعار السلع والخدمات.

واعتبر رزق أن هذا التفاوت الرهيب بين الدخول والحاجات الأساسية للعمال سيؤدي اقتصادياً إلى تدني جودة الأعمال وإلغاء الولاء الوظيفي في القطاعين العام والخاص على حد سواء، وتفشي الفساد بشكل رئيسي بالقطاع العام لكون القطاع الخاص أقل فساداً بسبب متابعة أصحاب العمل لمصالحهم بشكل مباشر.

الوطن _ جلنار العلي

 

escort bursa, atasehir escort, bursa escort bayan, escort izmit, escort izmit bursa escort, sahin k porno kayseri escort eskisehir escort Google
Powered by : FullScreen