17-04-2018
“هل يوجهنا الاستثمار، أم نوجّهه”
هذه الكلمة المفتاحية التي ساقها وزير الزراعة خلال مناقشة قانون الاستثمار الجديد قبل أيام، ورغم بداهتها، فهي تختزل «الحكمة» التي يجب تعليقها على جدار طباخي تعافينا الاقتصادي.
ما تسرّب عن النقاش، يشي بتصدي «المخطوطة» للعناوين الاستثمارية على مذهب مكتومي الهوية، وما الوصف الدبلوماسي لرئيس مجلس الوزراء لنسختها الأسبق بأنها «لم ترق لمستوى الطموحات» وتفهّمه لما لقيته نسختها «شبه الأخيرة» من انتقادات حادة، سوى تعبير أبعد من عفوي عن تدني استجابتها!
وإضافة لملاحظات موضوعية أخرى كإغفالها «اللا مقصود» لقطاعات استراتيجية بأكملها من مظلته، واعتمادها مفاتيح ملتبسة لتنشيطه، تتمظهر مخطوطة القانون الذي ينتظر منها مصافحة مستقبلنا الاقتصادي، كعطب ذاتي في فريق حياكته.
هل نوجّهه؟.. بالطبع علينا ذلك، لكن: أين تقف آمالنا؟ وأين ستذهب، والأهم أين يمكنها أن تفعل؟
لا أحد ينكر صعوبة الإجابة، لكن الأكيد هو أن إجابة القائمين على وضع «المخطوطة» خيّبوا الآمال!، ولربما يحتاج الأمر إلى حركة تصحيحية في بنية فريقهم وهيكلية توجهاته، على أن يستوفى شرط تطعيمه بعلوم الجغرافية والتاريخ وحتى السياسة.
إن الحرب على سورية، من حيث كونها استدراكاً لتبدلات جغرافية الاقتصاد الإقليمي «وامتداداته العالمية» على تخوم الفالق السوري الإفريقي الممتد من حلب وحتى مضيق باب المندب، إنما تحتاج إلى تصورات صلبة مكافئة للجغرافية المنتصرة وقدراتها، لا تلك الراقدة منذ ما قبل الحرب.
تلك التصورات، تتطلب الاستعانة بخبرات أكاديمية نوعية لصياغة مسارات إلزامية لقانون استثمار يحقق تطلعاتنا ويكن احتراماً بالغاً للبعد التاريخي لكوامن جغرافيتنا، إذ إن حاجتنا الملحة لذلك تتجلى عبر تفحص عملاني للتكييف العميق الذي يحاول الغرب إحداثه في فضائها المجاور إبان فشله في الاستحواذ عليها، بما يمثّل -لربما- أحد أسرع عمليات قولبة وإعادة قولبة خضع لها إقليم اقتصادي في منطقة اعتادت رتبة «القرون» لهضم هذا النوع من التبدلات.
التقاط التمظهرات العملانية لما سبق، يتطلب من «حياكي القانون» إرهاف سمعهم لما يجري في الجوار القريب، وترشيح رؤاهم للتخطيط المحلي الضيق نحو أفق التصور الشمولي لمحيط دائرة اقتصادية تتهافت أقواسها على كامل صفحة شرق المتوسط، مظللة صراعا خفيا شديد التنافسية تتسربل خلفياته من وراء البحار.
في هذا الإقليم، تتكاثف اليوم نشاطات استثمارية محمومة بدءا من جنوب العراق وجنوب الخليج العربي، مرورا بالصراع المحتدم على ضفاف بحر العرب وباب المندب، فضفتي البحر الأحمر المرشح لحرب اقتصادية شديدة التعقيد، وحتى خليجيه «السويس العقبة» وضفافهما الرملية في صحراء النقب وسيناء وتحولهما الهادئ إلى أقاليم «شبه مستقلة» استثماريا، وصولا إلى الحدود الأردنية التي تستطيل من محطات إمداد الموانئ الإسرائيلية، فشمال لبنان وموانئه، و«جيهان» تركيا ومحافظاتها الجنوبية الحدودية، قبل أن يحطّ الصراع في مناطق سيطرة ظرفية شرق سورية.
هذا الواقع التنافسي الضاغط بقوة لمناهضة رؤى التعاون في فضاء البحار الخمسة ونقطة ارتكازه السورية، إنما يفرض استنباط قانون استثمار قادر على اجتذاب الاستثمارات الاستراتيجية المحلية والصديقة عنوة، عبر صياغته بحبر مختلف عما صيغت به «ثلة» فاشلة من سابقيه، إذ إن «الأرض البكر» التي تُعلل آمالنا، تعني ترادفيا «الأرض البور» التي تحتاج «قناة جرّ» لحماية مساهمتنا في التجاذب الاقتصادي القائم في المنطقة.
المخاوف من الرؤى الضيقة لـ«مخطوطة» قانون الاستثمار مشروعة تماما، تلخصها شعاراته في «ترشيد استخدام الحوافز الضريبية» التي تؤسس لفراره نحو «جنان ضريبية» يتم نحتها في الجوار، كما تلك المعادية للتكنولوجية «تشجيع العمالة الكثيفة» المتكئة إلى رؤى ظرفية محضة، وكذا فهمه للتنمية الإقليمية المحلية على حساب الرؤى الاستراتيجية بما فيها محطات الإمداد اللوجستي «كمستودعات القمح الروسي التي تم الحديث عنها مؤخراً» التي تختزن أهمية اقتصادية وأمنية نحن في أمس الحاجة إليها، وكذا مشاريع السياحة المعوّل عليها في ترتيب الأبعاد الثقافية للجغرافية السورية بالاستفادة مما تحتضنه من «مقدس فيزيائي» تتطلع إليه معظم ديانات العالم..
ما لم يكن هدفنا ممارسة هوايتنا في «نقع القوانين وشرب ميّتها»، فلربما علينا اليوم، إعادة هيكلة «بالجملة» لرؤى ولبنية فريق حياكة قانون الاستثمار.الوطن