6/9/2018
يطلق معرض دمشق الدولي بدورته الستين فعالياته، وسط توقعات بتحقيقه إنجازاً لا يقل أهمية وقيمة اقتصادية عن المعرض السابق، وهنا تأبى الذاكرة إلا أن تعود بنا إلى عام سابق مضى ومحاولة استرجاع يوميات هذا المعرض بكل فعالياته التي استطاعت، بكل جدارة بفضل تعاون مثمر بين مؤسسات القطاع العام والخاص، أن تترجم لأول مرة هذا التعاون بطريقة مجدية اقتصادياً عبر إنتاج دورة متميزة قدمت رسالة للعالم بأن سورية قادرة رغم الحرب والحصار على النهوض من رحم الموت وصناعة الحياة وليس الحرف فقط، واليوم سيعاد تكرار سيناريو النجاح ذاته مع تحقيق إنجاز اقتصادي أكثر أهمية لأن الواقع الأمني والاقتصادي أصبح أفضل بعد عودة العديد من المعامل إلى دائرة الإنتاج، وهو ما سيسهم في تنشيط حركة الصادرات عند إبرام عقود تصديرية بين المنتجين السوريين والدول والشركات العربية والأجنبية المشاركة، بشكل يضمن تحقيق أمرين لا يقل أي منهما عن الآخر أهمية عبر توسيع نطاق كسر الحصار الاقتصادي المفروض على سورية بعد اتساع عدد الدول المشاركة في المعرض، وتهيئة الأوضاع جدياً للمشاركة في مرحلة إعادة إعمار سورية، التي سيكون معرض دمشق الدولي خير بوابة لانطلاقها.
نتائج مبشرة
خلية النحل ذاتها تعمل ليل نهار لإطلاق فعاليات معرض دمشق الدولي بدورته الستين على أكمل وجه وسط توقعات مبشرة في تحقيقه نتائج مبشرة تعود بالفائدة المأمولة على الاقتصاد المحلي وتحديداً الصناعة، وهذا ما يظهره التفاؤل الظاهر على وجوه الفعاليات الاقتصادية، في استثمار هذا المعرض المهم الذي يعد درة معارض الشرق الأوسط في الترويج للمنتجات السورية في أسواقها التقليدية وكسب أسواق جديدة، وهو ما تشير إليه عضو مجلس إدارة في غرفة صناعة دمشق وريفها وفاء أبو لبدة بقولها: «معرض دمشق الدولي يتمتع بأهمية كبيرة في دعم العملية التصديرية، حيث ستزور المعرض وفود خارجية من رجال الأعمال من مختلف الدول، ومن المتوقع أن يتجاوز عددهم الـ1000 زائر، من أجل التشبيك بين البضائع السورية والأسواق الخارجية بما يدعم الاقتصاد الوطني.
وأكدت أبو لبدة أن «جودة البضائع السورية وأسعارها المنافسة شرط أساس لكي تلقى قبول الأسواق الخارجية، وتالياً دعم العملية التصديرية»، مبينة أنه توجد ثقة كبيرة بالمنتج السوري الذي أصبح ينافس في الأسواق العالمية.
تظاهرة اقتصادية
الصناعي المعروف وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها جمال قنبرية أكد أن «معرض دمشق الدولي تظاهرة اقتصادية قديمة جداً، وكان أحد أسباب نجاح الاقتصاد السوري وتطويره، لأنه فرصة للجمع بين الشاري والبائع أي المصدر والمستورد»، وتابع قائلاً: «نفتخر بالصناعة السورية القابلة للتسويق نتيجة نوعيتها الجيدة والمطابقة للمواصفات إضافة إلى سعرها المناسب».
فرص تصديرية كبيرة
وأضاف قنبرية: تمتلك سورية سلعاً قابلة للتصدير ولابد من وجود منصة للتواصل مع الأسواق الخارجية وهي معرض دمشق الدولي، مشدداً على ضرورة العمل على عدم انقطاع هذه الفعالية الاقتصادية إذ كان يوجد سابقاً زبائن تقليديون توارثوا العمل مع سورية أباً عن جد، مبيناً أن «سورية تقوم على منتجات أساسية أولها المنتجات الزراعية نتيجة المناخ السوري المناسب، إضافة إلى النهضة الصناعية في التصنيع الزراعي الذي يعتمد على مواد أولية محلية».
وتابع قنبرية حديثه بالقول: إن تنوع المزروعات والصناعات في سورية نتيجة المناخ يتيح لها فرصاً تصديرية كثيرة وخاصة للدول التي تفتقر إلى هذه المنتجات بسبب عدم ملاءمة مناخها لزراعة هذه الأنواع، وانتشار السوريين في الدول الأخرى يشجع الأسواق الخارجية على استيراد المنتجات السورية غير المتوافرة لديهم لتلبية متطلبات الأسواق فهناك منتجات معينة تطلب بالاسم..
منصة للالتقاء
يعول على معرض دمشق الدولي في تنشيط حركة الصادرات، عبر إبرام عقود تصديرية بين المنتجين المحليين والشركات والدول المشاركة في المعرض، وهذه العقود تشمل جميع السلع ولا تقتصر على سلع من دون غيرها لكن ربما يكون الأكثر قبولاً عند المستوردين العرب والأجانب السلع النسيجية والغذائية والزراعية.. وعن أهمية المعرض في دعم قطاع التصدير تحدث إياد محمد خازن اتحاد المصدرين قائلاً: المعرض يشكل نافذة أساسية نحو العالم، وفرصة لعرض منتجات البلد المحلية على اختلاف أنواعها أمام الزبائن المحليين والخارجيين، وإظهار بدء مرحلة التعافي، كما يشكل حالة ضرورية وأساسية لالتقاء العارضين مع الزبائن الخارجيين.
وأضاف: إن معرض دمشق الدولي يشكل أهمية خاصة بالنسبة للقطاع الخاص، ولاسيما في ظل لحظ حالة التعاون المثمر بين الفعاليات الاقتصادية مع وجود عدد كبير من رجال الأعمال من الخارج في المعرض، وهو أمر سيسهم في تسويق المنتج السوري وتصديره إلى الأسواق الخارجية، وخاصة في ظل وجود ميزة مهمة قدمتها الحكومة عبر دعم بضائع عقود التصدير على هامش المعرض بنسبة 100%، وذلك يشكل فرصة كبيرة ومهمة للمصدرين ستسهم في دعم المنتج المحلي وتشجيع المصدرين والمنتجين المحليين على الإنتاج وتسريع وتيرته.
وبيّن أن معرض دمشق الدولي سيكون له دور كبير في تعريف الشركات والدول المشاركة في المعرض على خريطة توزع المنتجين السوريين، إذ بسبب ظروف الحرب تغيرت مراكز الإنتاج وتوزعها والمدن الصناعية، وتالياً لابد من وجود منصة للالتقاء الزبائن من الخارج مع العارضين في الداخل للتعرف على مراكز إنتاجهم ومحالهم الجديدة، إضافة إلى أن الأزمة أنتجت إنتاجاً جديداً يتوافق معها، حيث توجد مثلاً منتجات غير قادرة على استيرادها تم تصنيعها، فيما يسمى إحلال المستوردات.
وعن اختلاف معرض دمشق الدولي بدورته الحالية عن الدورة السابقة التي حققت نجاحاً لافتاً، أكد أن المعرض السابق كان تحدياً حقيقياً لإظهار الاقتصاد المحلي، لكن الحالي يعد ترسيخاً لقوة هذا الاقتصاد وإظهار القوة الاقتصادية لديه، وهذا سوف يتحقق ويظهر للعالم من خلال استضافة قرابة 1000 رجل أعمال على نفقة اتحاد المصدرين والعارضين، مشدداً على أن المعرض ليس فقط لإظهار أن سورية استطاعت كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها وإنما الدلالة على بدء التعافي الاقتصادي التي تعيشه سورية الآن بعد سنوات الحرب العصيبة، فمثلاً مشاركة القطاع الزراعي كانت خجولة في الدورة السابقة، لكن هذا العام لأول مرة ستعرض مراكز فرز وتوضيب في طرطوس واللاذقية، إضافة إلى مراكز التوضيب في دمشق وذلك في مشاركة مميزة وفاعلة في المعرض التصديري التخصصي في المجال الزراعي، متوقعاً توقيع العديد من العقود التصديرية خلال المعرض في المجال الزراعي، وتحديداً في ظل جودة المنتجات الزراعية المحلية ونوعيتها وسعرها المنافسين بشكل يجعلها تحظى باهتمام رجال الأعمال القادمين لحضور فعاليات المعرض والشركات والدول المشاركة.
رفع قيمة الصادرات
الصناعي أيمن مولوي قال لـ«تشرين»: المصدّر السوري هو الأكثر التزاماً في العقود التصديرية من حيث النوعية والجودة المتفق عليها، ونادراً ما يسمع عن وجود حالات سوء تصنيع أو غش في المواصفات، ما يساعد بشكل إيجابي على التشبيك بشكل مستمر مع الأسواق الخارجية، على حد تعبيره.
وأكد مولوي أن «جودة المنتج من أولويات الصناعي السوري الذي يهدف إلى التشبيك الدائم مع الأسواق الخارجية وليس البيع مرة واحدة».
وبيّن مولوي أن «الدعم الحكومي للشحن بالنسبة للعقود التصديرية التي تتم خلال المعرض سيتم تقديمه للمستورد من أجل تحفيزه على شراء السلع، ما يعمل على رفع الصادرات السورية خلال العام الجاري»، وأوضح مولوي أنه «خلال الدورة الـ60 لمعرض دمشق الدولي سيتم استقطاب عدد كبير من رجال الأعمال من مختلف الدول العربية على نفقة المنظمين للمهرجان بما ينعكس بشكل إيجابي على فتح عقود تصديرية جديدة في كل القطاعات «النسيجية والغذائية والكيميائية والهندسية».
تفعيل السوق التجارية
ولا يقل النبض المتفائل بأهمية معرض دمشق الدولي عند أهل التجارة عنه عند أهل الصناعة والتصدير، حيث أكد غسان القلاع- رئيس اتحاد الغرف التجارية أن معرض دمشق الدولي منذ تاريخ تأسيسه في عام 1954 كان مناسبة اقتصادية مهمة لتفعيل السوق التجارية في سورية، وعندما نقول السوق التجارية نعني بها الإنتاج الصناعي والتبادل التجاري استيراداً وتصديراً، والتعرف من خلال هذا المعرض على الشركات الأجنبية المشاركة، وعلى منتجاتها، إضافة إلى الاتصال مع ممثلي هذه الشركات للترويج للبضائع والمنتجات السورية.
وأضاف القلاع: أقيمت الدورة التاسعة والخمسون للمعرض بعد انقطاع دام عدة سنوات بسبب الحرب، وقد كان هناك عرض جيد للمنتجات السورية واستقبال للشركات الأجنبية التي شاركت في هذا المعرض، كما قام عدد كبير من الزوار بزيارة هذا المعرض والمشاركة والتعاون مع نظرائهم في الدول الأخرى، إضافة إلى الترويج للمنتجات السورية من خلال عرضها في أجنحة الجمهورية العربية السورية، والأجنحة الداعمة.
إلى 15 يوماً!
وأكد القلاع أهمية المعرض في تفعيل دور الصناعة المحلية، التي ستحقق من نافذته تقدماً واضحاً وخاصة مع التقدم الحاصل في المجال الصناعي بعد دخول العديد من المعامل إلى دائرة الإنتاج والسوق مجدداً، متمنياً أن يعود معرض دمشق الدولي إلى نشاطه المعتاد، وهنا يقترح تمديد أيام المعرض إلى 15 يوماً على الأقل.
وعن أهمية معرض دمشق الدولي في كسر الحصار الاقتصادي المفروض من قبل الدول العربية والغربية، أكد أن المعرض لعب دوراً كبيراً في تحقيق هذه الغاية، عبر مشاركة العديد من الدول في هذا المعرض وزيادة أعدادها في هذه الدورة، لافتاً إلى أن المعرض يشكل فرصة للدول الصديقة لزيادة العلاقات الاقتصادية مع سورية، فهذه الفعالية الاقتصادية المهمة ليست عرض منتجات فقط، وإنما تبادل تجاري بحت استيراداً وتصديراً، والتعرف على منتجات الغير وعرض منتجاتنا عليهم وتبادل الأفكار والتعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة، أياً كان موقعها، وخاصة أن لديها مشاركة مهمة وكبيرة في فعالياته.
دمشق تفتح نوافذها للعالم
رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر خلدون الموقع تحدث عن أهمية معرض دمشق الدولي بقوله: لا شك في أن المرحلة الأصعب من الأزمة قد انطوى معظمها، وابتدأت مرحلة جديدة تحمل بوادر الانفراج والأمل، ليصبح الحديث عن الاقتصاد والصناعة أمراً ممكناً وواجباً وليس حالة للاستهلاك الإعلامي فقط، ومن خلال خطاب جديد للحكومة والقطاع الخاص يقوم على واقع ندركه ومستقبل نتمناه ، وليس العكس.
وأضاف: لقد أصابت الأزمة الاقتصاد السوري ومحركاته بأضرار شديدة، وإذا كان يحق لنا أن نطلق على معرض دمشق الدولي للعام المنصرم «معرض العزيمة والتحدي»، فلاشك في أن العنوان الأفضل للمعرض هذا في دورته الستين هو: «معرض صافرة البداية»، فالمعرض في النتيجة يقدم محصلة لمنتجاتنا وصناعتنا القائمة وبكثير منها على سلسلة من الصناعات والجهود والفنيات، التي يتوجب علينا تمتينها وحمايتها وتطويرها لتكون سلسلة متينة ذات حضور مستقبلي.
وتابع قائلاً: إن المنطلقات والمقدمات السليمة الصحيحة هي التي تعطي النتائج الإيجابية المرجوة، وبالتالي فقد آن الأوان لبدء حوار ونقاش حقيقي لتحديد هويتنا الاقتصادية والصناعية، فالاقتصاد بناء تراكمي يقوم على رؤية اقتصادية واضحة وقرارات مستقرة تخدم ارتقاءه، وليس تجارب يعبر عنها عدم استقرار هذه القرارات.
وأضاف: كما يتوجب علينا وقد فتحنا نوافذنا نحو العالم، أن نحدد توجهاتنا الاقتصادية ونرسم خارطتنا الصناعية التي يجب أن ينخرط فيها جميع السوريين في الداخل والخارج، وبحيث تؤطر للاستثمارات المستهدف جذبها، لتكون سورية بلداً صناعياً منتجاً تدعمه المشاريع الخدمية، وليس العكس.
وشدد الموقع على أنه إذا كان معرض دمشق الدولي لهذا العام يعبر عن شيء، فهو يعبر عن ثقة مَن حضر، عارضاً أوزائراً وكثيرون آخرون ، بسورية وقوتها على النهوض ونفض غبار الأزمة عنها، لتعود إلى مكانتها وتألقها المعهودين.تشرين