2018-06-13
اقترب العيد ولا سبيل للمواطن سوى السوق ليرتدي الجديد، وهذا السوق لا يرحم وجيب المواطن يعتصر ألماً، فسوقٌ هنا أسعاره تكوي، وسوق هناك بضاعته في مستوى متدنٍ، والمواطن حائر وليس له سوى الرضوخ، فمن حق أولاده أن يرتدوا الجديد في العيد، وأن يقول كما قالت أم غالب بالعامية ((تجار حرامية وما في مين يردن))، وعلى مدار ثلاثة أيام تجولت «تشرين» في أسواق الصالحية والحمرا وباب توما والحريقة والحميدية وسوق نهر عيشة، وكان العنوان الأبرز والمشترك بسياسة كل الأسواق ((إنه الموسم الدسم))، فالزبائن كُثر، ومن يأتي إلى السوق قبل العيد ومعه أطفاله، فهدفه واضح ولا يوجد أشطر من التاجر لاستغلال الموقف والبيع بأسعار كاوية، وأساليب الغش تعري الدور الرقابي الذي لا يستطيع أن يحرك ساكناً، والأدلة كثيرة، فوضع الماركات العالمية على الألبسة والأحذية الوطنية أمراً متاحاً للصانع، والتاجر أكثر الفرحين، وعبارات العروض والتنزيلات التي تغوي عين المواطن في البداية، تُبكيها عندما يدخل ويتفاجأ بأنها كذبة كبيرة، وألبسة الأطفال باعتبار أنها لا غنى عنها أسعارها أغلى من الألبسة الرجالية والنسائية، وهذا دليل واضح على أن اللعبة مفضوحة، كون أغلب المبيعات تخص الأطفال، وجهاتنا الرقابية للأمانة المهنية، لا تترك اجتماعاً وإلا وتشارك فيه، والهدف ضبط الأسواق، وعلى أرض الواقع الدور الرقابي غائب تماماً.
ماركات عالمية مزيفة
بعد سبع سنوات من الحرب والحصار الاقتصادي، ما زال هناك مواطنون لا يعرفون أن كل قطعة لباس أو حذاء عليها ماركة عالمية ما هي إلا تقليد وسرقة علنية، فاستيراد الماركات العالمية غير موجود بشكل قانوني، وهذا ما أكد عليه جمال السطل الباحث الاقتصادي بجمعية حماية المستهلك، ووصف هذا الأمر بالكذب والغش، وبالفعل وجدت «تشرين» ألبسة وأحذية عليها أسماء ماركات عالمية، واسم المحل التجاري يحمل اسم هذا المنتج العالمي أيضاً، وسعر المنتج يساوي ضعف منتج شبيه وبالمواصفات نفسها بسوق آخر ومن دون وجود اسم تلك الماركة العالمية، وعندما تقلّب المنتج بين يديك ستجد أن هناك قصاصة قماش صغيرة مخفية في داخل الحذاء أو القميص، ومكتوب عليها صناعة سورية، وبالفعل هذا الأمر عجيب، فهذه الماركة دون ذكر اسمها، لا يوجد لها ترخيص لتنتج في سورية، ولا يوجد لها بند في قائمة الاستيراد، فأين هي الرقابة، لتضع حداً لهذا الأمر الخطير، ألا يوجد جهة رقابية من وزارة التجارة الداخلية ومديرية حماية المستهلك لتسأل البائع عن فاتورة بضاعته، ومصدرها، وتسعيرتها النظامية ومقدار الربح المسموح به؟، الجواب يوجد ولا يوجد، أو ربما يوجد ولكن دون جدوى.
للبسطات كلمة
لا يخلو أي سوق من أسواق دمشق من البسطات، وسعر مبيع ألبسة وأحذية البسطات أقل بقليل من أسعار المحلات التجارية، والسبب كما قال عبدو بائع البسطة بأنه يبحث عن البيع الكثير والربح السريع، ومصدر بضاعته غالباً محلات بيع الجملة في الحريقة، ولدى سؤالنا له عن دوريات الرقابة التجارية، قال حرفياً وبالعامية ((بس يجوا بضب بسطتي وبتخبى لحتى يروحوا))، وأكد بأنهم لا يأتون كثيراً، وفي الجهة المقابلة هناك بسطات لمحلات تجارية تلعب دوراً مهماً بتوجيه الزبون إلى محلهم، بعد أن يسأل عن سعر قطعة ما، وبلسان الباعة المنتشرين في بعض الأسواق وبكلامهم المعسول عن التنزيلات والعروض، يدخل المواطن إلى المحل وبطبيعة الحال، سيجد أن كل الكلام الذي سمعه خارجاً عن التنزيلات غير صحيح.
منتجات صينية تملأ الأسواق
تجتاح أسواقنا المنتجات الصينية من الألبسة والأحذية، وبالفعل يكتب عليها (صنع في الصين)، وتتدرج مواصفات هذه المنتجات بين العادية (الستوكات) وأفضلها لا يتعدى مستوى الوسط، وأسعارها قريبة جداً من أسعار منتجاتنا الوطنية، وهذه المنتجات لا يحكمها سوق ولا تحدها رقابة، بالرغم من دخول أغلبها بطريقة شرعية وفواتير نظامية، ولكن هامش الربح يتجاوز الـ ١٠٠% كما أكد لـ»تشرين» بعض عاملي المحلات المطلعين على الأسعار، وهنا قال جمال السطل الباحث الاقتصادي، بأن هناك دوراً يُستغرب عدم وجوده وهو لمؤسسات التدخل الإيجابي التي تستطيع أن تكسر حدة التلاعب بالألبسة، كما كانت تتدخل هذه المؤسسات قبل الأزمة وكان لها آنذاك الدور الإيجابي الكبير في تحديد سعر المنتجات وجعل هامش الربح وفق القانون واللوائح المنصوص عليها وزارياً، موضحاً أن هذا الدور كانت تقوم به المؤسسة العامة الاستهلاكية، وتقوم مكانها الآن المؤسسة السورية للتجارة، حيث كانت تستورد المؤسسة المنتجات وتعرضها للبيع، لتضبط الأسواق بأفضل طريقة ممكنة، وإن كانت حجة الوزارة بمؤسساتها أن هناك عقوبات وموضوع الاستيراد صعب قليلاً، فتساءل السطل: لماذا لا تتفق المؤسسة السورية للتجارة مع صناعيين وتجار محليين، على صيغة تعاون مشترك للإنتاج والعرض والبيع بأسعار مناسبة للمواطن، وبالتالي النتيجة ستكون إيجابية بضبط الأسعار؟.
لعبة تنزيلات كاذبة
أكد السطل أن كل ما يُشيعه الباعة عن موضوع التنزيلات هو كذب بكذب، وعلى المواطن أن لا يصدق هذا الأمر، وأشار الباحث الاقتصادي أن الوزارة وضعت قوانين وقواعد لما يُسمى تنزيلات، ولكن ضبط السوق مع تنوع وكثرة المحلات والباعة يجعل علاجه أمراً مستحيلاً، وتبين لـ»تشرين» من خلال الدخول في أسرار بعض المحلات بأن كلمة تنزيلات التي تُزين واجهات الكثير من المحلات في المواسم ما هي إلا لجلب الزبون، والمنتج يُباع بالسعر الذي يريده البائع، وكل ما ينبغي على التاجر فعله هو أن يعدّل السعر الموجود على الكليشة المعلقة على القطعة بأن يزيده للضعف ويشطب السعر ويضع السعر الجديد القديم على أن هذه القطعة عليها تنزيلات ٥٠%، ويوجد محلات تدخل بلعبة التنزيلات عبر عرض منتجات قديمة الإنتاج بمواصفات المنتجات حديثة الإنتاج نفسها، وعلى الزبون أن يختار بين موديل قديم بسعر عشرة آلاف ليرة تقريباً، وموديل جديد بسعر عشرين ألفاً، وجودة القطعة من حيث القماش والخياطة هي نفسها، والسر بالربح موجود ويكمن بأن تكلفة القطعة من الأساس لا تتجاوز الخمسة آلاف ليرة، بمعنى أوضح أن هذا التاجر يربح بقطعة التنزيلات ١٠٠%، وبالقطعة حديثة الإنتاج والموديل ٣٠٠%، فتحريك البضاعة القديمة واستغلال ثمنها سبيل وطريقة ممتازة للربح السريع والكثير أيضاً.
دور إرشادي فقط
توجهنا بالسؤال لرئيس غرفة تجارة دمشق محمد غسان القلاع عن حال الأسواق والفوضى التي تحكمها، فقال: إن دور الغرفة إرشادي والقانون لا يعطيها الدور الرقابي للتدخل، ووجه القلاع رسالته عبر تشرين للمواطن ونصحه بأن يُحسن اختيار سوقه، فليس من الضرورة أن يشتري من سوق الحمرا، وأردف القلاع مجيباً على سؤالنا عن دور تجار غرفة التجارة ورأسمالهم الكبير وقدرتهم على الدخول بقوة إلى السوق لضبطه من خلال إيجاد طرق إنتاجية أو مستوردة لتحسين وضع السوق وضبطه، «هذا الأمر يحتاج لخزينة دولة، والأوضاع غير مواتية الآن للقيام بهكذا بإجراء كهذا»، وأنهى حديثه بالقول: زيادة العرض من أهم طرق الحد من غلاء الأسعار، وهذا الأمر يجب أن تقوم به مؤسسات التدخل الإيجابي أولاً.
ضبوط لم تفنّد بعد!
وبالنهاية، السؤال الذي يفرض نفسه، ما هو إنتاج العمل الرقابي للأسواق؟، وقد توجهنا بهذا السؤال لمدير حماية المستهلك حسام نصر الله، وأكد أن هناك ضبوطاً تخص سوق الألبسة والأحذية، ولم تقم المديرية بتفنيد هذه الضبوط بعد، ولهذا لم نعرف عددها وماهيتها.
وأشار إلى أن عين الرقابة لا تغفل عن الأسواق، والدوريات تقوم بعملها بشكل دائم وفقاً للوائح الأسعار التي تصدر عن مديرية الأسعار بالوزارة.