عندما وضعت الدولة نصب عينيها معالجة آثار الأزمة واستعادة مسارات التنمية، كأولى أولويات الحكومية، استناداً إلى قدرة المجتمع والاقتصاد السوري على الصمود والتعافي والنمو، كانت القاطرة التي تمثل “ساموك” البناء هي وجود برنامج معتمد يظهر وجهة نظر الحكومة “الاستشرافية” وخططها الهادفة إلى رسم المشهد في المرحلة المقبلة، وهذا ما اصطُلح على تسميته “بالبرنامج الوطني لسورية ما بعد الأزمة” الذي يعوّل عليه الكثير كمنطلق صلب في التأكيد على الملكية الوطنية لمستقبل البلاد والتخطيط له، مع التحول من الجمود التنموي الناجم عن الأزمة إلى إطلاق تدريجي لطاقات المجتمع والاقتصاد، وصولاً إلى النهوض بجميع مكونات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالتزامن مع تثبيت حقيقة استمرارية المؤسسات وتعزيز قدراتها وكفاءتها، مربوطاً بعدالة وتماسك اجتماعيين وحوار وطني وتعددية سياسية، على رأسها هوية وطنية حقة.
في محطة مفصلية نحو تحقيق ما سبق كان للجنة التنسيقية للبرنامج التنموي “لسورية ما بعد الحرب” نقاش لتقرير أعدّته الفرق المشاركة، وعلى رأسها فريق القطاعات الاقتصادية الذي وضع المواضيع المعدة والموجودة في التقرير واستعراضها وتقديم الملاحظات عليها، على أن يتمّ خلال المرحلة اللاحقة وضع البرامج التنفيذية لهذه الرؤية التي ستكون بداية الانطلاق في كافة المجالات، حيث يعدّ الفريق الاقتصادي كافة الخطط والبرنامج بهدف اكتمال التقرير وإقراره فيما بعد.
إلى أين تسير..
في حضرة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء كان لرؤساء اللجان الحكومية والفرق القطاعية استعراض للتقرير الثاني للبرنامج الذي يضم الرؤى والأهداف لكافة محاور البرنامج الذي تمّ إعداده من قبل فرق العمل وتنسيقه في هيئة التخطيط والتعاون الدولي، ويستهدف مكونات التنمية لمستقبل سورية وخطتها الاستراتيجية حتى العام 2030.
وفي تعليقه على ما أُنجز اعتبر المهندس خميس أن البرنامج يمثل الركيزة الأساسية والمستقبلية لعمل مؤسسات الدولة في السنوات القادمة وتكريس صمودها كأرضية تستند إليها أي رؤية تخطيطية استشرافية للمستقبل، موضحاً أن سورية تعرف بدقة إلى أين تسير “في مرحلة ما بعد الحرب” بجميع المكونات التنموية. ولهذه الأسباب حدّدت المناقشات اعتماد مرجعية واحدة لتقدير حجم الأضرار والخسائر التي أصابت جميع القطاعات جراء الحرب الإرهابية وفق أسس منهجية، وضرورة عرض التقرير بشكل موسع مع شركاء الحكومة بالتنمية “منظمات وأكاديميين”، بهدف إغناء المسودة النهائية له والتركيز على أهمية تكريس الثوابت الأساسية لسورية عند اعتماده. وكذلك قيام اللجان المختصة بتحديد البرامج الزمنية ووضع الآليات التنفيذية لتكون جزءاً من البرنامج وتحديد برامج التمويل وآلياته، وربط البرنامج مع المشاريع عبر الوزارية، إضافة إلى مراجعة مخرجات كل قطاع عن طريق فريق مختص والتواصل مع القطاع الخاص للمشاركة وجمع البيانات، وسيصار إلى اعتماد المسودة النهائية للبرنامج التنموي لسورية ما بعد الحرب مع نهاية العام الحالي.
خمسة محاور
ويرتكز البرنامج إلى خمسة محاور تتعلق بالحوار الوطني والتعددية السياسية والبناء المؤسسي وتعزيز النزاهة والبنى التحتية والطاقة والنمو والتنمية والتشغيل والتنمية الإنسانية. ويتضمن التقرير عدة محاور (الإداري، الخدمات والبنى التحتية… والاقتصادي والاجتماعي)، وكل محور يعالج قضايا الرؤى والأهداف الرقمية التي يتمّ وضعها ويجب الالتزام بها عند تنفيذ البرامج التنفيذية التي ستخرج عن المشروع، إضافة إلى ذلك يضع التقرير السياسات الحكومية المرتبطة بالوصول إلى تلك الأهداف عبر المحاور الخمسة وخلال المراحل الزمنية المختلفة للتنفيذ، ويؤكد المشاركون في إنتاج هذه الرؤية أنه في الأيام القليلة القادمة سيتم عرض التقرير بشكل موسع مع شركاء الحكومة بالتنمية (منظمات وأكاديميين..) بغرض إغناء التقرير بالملاحظات التي يتم الإشارة إليها، وفي المرحلة الأخيرة يتم وضع البرامج التنفيذية بهدف الوصول إلى الأهداف الموضوعة التي تتضمن البرنامج ومحتواه والهدف منه والأثر المتوقع من تنفيذه، إضافة إلى حجم التمويل اللازم لتنفيذ هذا البرنامج ومصادر التمويل المختلفة التي يمكن أن تساهم في التنفيذ.
تحليل الاختلالات
إذاً هي رؤية للخروج من مأزق قصور التنمية الذي كرسته الحرب من خلال تحليل الاختلالات الأساسية في بنية وهيكلية المجتمع والاقتصاد، حيث يعدّ هذا التحليل أحد أدوات صياغة الرؤية والأهداف والسياسات وتحديد الأولويات الكلية والقطاعية والمكانية، وصولاً إلى البرامج والمشاريع. ولهذا يوضح الدكتور عماد الصابوني رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أن الاجتماع يهدف إلى صياغة البرنامج الذي يعبر عن خطة استراتيجية للحكومة حتى /2030/ والذي يرسم المستقبل السوري الذي يعبر عن الرؤية الوطنية. وجاء هذا الاجتماع لعرض التقرير رقم /2/ للبرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب والذي يضم الرؤى والأهداف والسياسات، وتم إعداده من قبل فرق العمل وتم تنسيقه في هيئة التخطيط والتعاون الدولي.
واعتبر نائب وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل مقداد أن البرنامج يعني أن سورية بدأت على الطريق الصحيح بناءً على أسس منهجية، بهدف تجاوز الحرب وآثارها على الاقتصاد وعلى حياة المواطنين. وأوضح معتز قطان معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة أن البرنامج يتناول الرؤى والأهداف والسياسات الإرشادية، مشيراً إلى أن الاجتماع انتهى إلى مناقشة التحضيرات الواجبة للبدء بالمرحلة الأخيرة لإقرار مصفوفة البرامج التنفيذية مع آليات التمويل.