لم يخرج حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور دريد درغام عن المنطق السائد لدى المصارف المركزية المعروف عالمياً، إذ حرص على إعلان الخطوط العامة لسياسة المركزي محتفظاً بتفاصيل وآليات العمل الموظفة ضمن سياق تحقيق أول أهدافه الرامية إلى “استقرار سعر الصرف” وقد نجح بالفعل في ذلك، في حين أن الهدف الأبعد الذي أفصح عنه هو تشجيع حركة التجارة والصناعة كمقدمة لإحلال الإنتاج السوري محل المستوردات وبالتالي البدء بالانخفاض التدريجي للأسعار، معتبراً أن هذا الأمر هو مقدمة ومفتاح لآفاق من طبيعة جديدة.
حرص
وبدا حرص درغام تجاه الخوض في التفاصيل واضحاً خلال لقاءاته العديدة مع وسائل الإعلام كافة في أروقة فندق الشيراتون على هامش الملتقى التأميني الأسبوع الماضي، تفادياً لأي استباق مضاد من قبل المتربصين لما يعمل عليه المركزي، حيث امتص بدبلوماسيته المعهودة فضول جميع الإعلاميين الطامحين لمعرفة ماهية وحيثيات السياسة النقدية التي يدأب المركزي عليها منذ أكثر من عام، جاعلاً محور كل إجاباته بهذا الخصوص “سنترك الجميع أن يتكهن كيفما شاء، ولكن نطمئن التجار والصناعيين والمواطنين أن سياسة المركزي هي سياسة استقرار بالشكل الذي يضمن استمرار الحركة التجارية والصناعية بالشكل الملائم”.
طمأنينة
ولم يدخر درغام جهداً بالترويج لما يدأب عليه المركزي تجاه محاصرة ثقافة “الكاش” وإحلال التعامل المصرفي محلها، بتأكيداته المتكررة ببطلان التعامل النقدي بالكاش، مشيراً إلى أن هناك حالات استدانة بدأت بالفعل تسري بين المتعاملين وهذا أمر جيد، ما ينم بشكل أو بآخر عن حالة من الطمأنينة بعدم وجود تقلبات مخيفة، واصفاً آلية عمل المصارف بأنها عملية إنتاج واستهلاك بشكل أو بآخر، وبالتالي ووفقاً لمخرجات هذه العملية يتبين أن حجم الأموال المتاح للإقراض هو ليس كبيراً نسبياً نظراً لوجود مشكلة ثقافة الكاش، ما يعني بالنتيجة أن المطلوب تحضير البنية التحتية للسياسة النقدية حتى تتمكن من إعادة الكاش إلى الأروقة المصرفية، بحيث ألا تكون القاعدة النقدية هي الأساس، وإنما هي الكتلة النقدية الخطية التي لها علاقة بالحسابات المصرفية بطرق التعامل بأدوات الدفع الالكتروني، معتبراً أن المشكلة الحالية لا تتعلق إطلاقاً بمن سيتم تسليفه، وإنما بكيفية إدارة القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع والمواد، وهذا يتطلب تضافر جميع الجهود “المركزي وزارة الاقتصاد وغيرها”، مؤكداً أنه إذا ما اقترنت إدارة استقرار سعر الصرف لفترة تزيد عن السنة، مع تفعيل العمل المالي والنقدي ونجاحه، يمكن أن يفضي إلى زيادة القدرة الشرائية لدى المواطن. خاصة في ظل استقرار ما أسماه الحاكم بـ”القلق العام” الذي كان سائداً نتيجة الحرب وتأثيره على ارتفاع مستوى التضخم الآخذ بالارتفاع، وما رافقه من إشاعات تروج بأن الليرة في طريقها إلى التدهور وما شابه”، ليؤكد بأن سورية- لمن يرغب- هي بلد واعد والفترة القادمة بالتأكيد هي فترة إعادة الإعمار.
من وحي المناسبة
ومن وحي المناسبة الذي حاضر فيها درغام حول “الرقابة على شركات التأمين في ظل الأزمة” بين الحاكم أن مصرف سورية المركزي مثله مثل شركات التأمين، همه الأساسي هو حماية وضمان أمن المستهلك وصولاً إلى مرحلة تسير فيها التنمية بالإطار السليم، وبقدر ما نمول في الفترة القادمة مشاريع، بقدر ما سيكون هناك ضرورة لإيجاد تأمين مناسب لهذه المشاريع، وهذا الكلام يتطلب جهود مشتركة، فمثل ما هو مطلوب من المصرف المركزي أمن استقرار سعر الصرف، مطلوب من شركات التأمين ما يكفي من الجهود للتحوط من المخاطر المحتملة.
وتحدث درغام عن ذوي الدخل المحدود مؤكداً أنهم محط اهتمام، لذلك فإن مصرفي التسليف والتوفير حصلوا على مزايا أصلاً أكثر من المزايا الموجودة في المصارف الأخرى كونهما المعنيان بأصحاب الدخل المحدود.
ليس اختراعاً سورياً
ودافع درغام عن رصيد المكوث، داحضاً أنه اختراع سوري، بل هو أمر مطبق أصلاً في كل المصارف التي يهمها عملية كيفية اجتذاب الكاش ووضعها في المصارف، مشيراً إلى أن ثمة من اقترح انتهاج نهج المصرف العقاري، بأن يضع المتعامل وديعة لمدة ستة أشهر أو سنة مقابل حصوله على قرض لمدة خمسة عشر عاماً، لكن هدف المركزي ليس الحصول على هذه الوديعة، وإنما تعميم ثقافة أن يضع كل فرد أو فعالية اقتصادية حصيلة نشاطه الأسبوعي في المصرف بدلاً من وضعها في الخزائن المنزلية، أي أن رصيد المكوث في النهاية هو عبارة عن بداية لتشجيع المتعاملين على وضع أموالهم بالمصرف، فمن يساهم بهذا الرصيد سيأخذ الحصة الأكبر في الإقراض، وبقدر نشاطه يحصل على إقراض أفضل، وهذا الأمر يساعد على معالجة ثقافة التعامل بالكاش. البعث