بيروسترويكا صناعية…!! منبر الصناعة بقلم: أحمد سليمان*
قد لا يكون حجم الضرر الذي لحق بالصناعة السورية بشقيها العام والخاص والذي يقدر بالترليونات من الليرة بالقليل، مع خروج أكثر من نصف قدرات هذا القطاع الاقتصادي الذي كان يعد رهان الاقتصاد الوطني في مرحلة ما قبل الأزمة.
فليست هذه الأرقام عن حجم الضرر الكبير الذي لحق بهذا القطاع سوى تقديرات، وقد تكون أكثر من ذلك بكثير وخاصة مع وجود العديد من المناطق التي تضم مصانع على مختلف أحجامها خارج سيطرة الدولة أو حتى أن تقديرات الأضرار ليست دقيقة ما يشير إلى ان هذا القطاع الذي تعرض لتخريب وتدمير ممنهج كان مطلوبا من أدوات العدوان على سورية لإخراج رهان قوة الاقتصاد السوري واقتصاد الدولة وقوتها عبر السرقة المباشرة للمصانع وترحيلها إلى تركيا أو عبر التخريب والتدمير للمنشآت وشل قدراتها إلى جانب استهداف الطرقات إليها أو عمالها ومنع الدخول والخروج إليها ومنها .
فليس من باب المديح بل لنعترف.. فقد جهدت الدولة والحكومة في مساعدة القطاع الصناعي لعودة منشآته إلى العمل و الانتاج وقبل أما على المستوى الكلي لتوفير بيئة العمل الصناعي عبر إصدار التشريعات والقرارات اللازمة وتقديم التسهيلات والاعفاءات أو على المستوى القطاعي في تقديم الدعم اللازم لبعض الصناعات كالصناعات النسيجية أو على المستوى المناطقي من خلال إعادة تأهيل البنى التحتية و الخدمات للمناطق التي يتم تحريرها ترميم وإقلاع المنشآت وعودة عجلاتها للإنتاج.
كل ذلك جيد وقد أثمر في إعادة العمل في آلاف المنشآت الصناعية والحرفية.. لكن إذا نظرنا إلى عدد المنشآت الصناعية والحرفية التي كانت قبل الأزمة والتي كانت تتجاوز ال 120 الف منشآته وشكلت رهان اقتصاد سورية المستقبلي لكن هذه التشريعات والقرارات والقوانين لم تكن بمستوى طموح الصناعيين وخاصة المتضررين وخاصة ان رهان سورية الاقتصادي يجب أن يرتكز على قاعدة إنتاجية صناعية نظرا للقيم المضافة التي تحققها عملية التصنيع ليس بهدف كفاية السوق المحلية بل عبر التصدير الذي قد يتحقق بدعم الصناعات التقليدية لكن تعزيزه مطلوب ومطلوب أيضا تمويل الصناعات الابداعية وتبنيها كمشاريع رهان مستقبل الاقتصاد السوري.
فمع الدعم الحكومي للقطاع الصناعي وذلك لرهان الحكومة لهذا القطاع نظرا لدوره في تحقيق التشغيل للعديد من القطاعات الاقتصادية و الخدمية الأمامية والخلفية وتحقيق أفضل القيم المضافة على الانتاج الخام المحلي، وتحقيق توسع أفضل في فرص العمل، إلا أنه يعاني هذا القطاع من بطء التعامل معه نظرا لوجود حلول مشاكل الصناعة خارج وزارة الصناعة التي يفترض أن تكون بيدها كل الحلول كالتمويل الموجود في وزارة المالية والاستيراد والتصدير في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والتسويق الداخلي والتسعير في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والبنى التحتية في وزارة الادارة المحلية وغيرها مما يحتاجه النهوض الصناعي في وزارات اخرى.
فالتوجهات المحدّثة لوزارة الصناعة كما وضعها عنها وزير الصناعة محمد مازن يوسف منذ قدومه للوزارة والتي تعتبر من أولويات العمل للمرحلة القادمة توحي أننا أمام مرحلة جديدة ليس للوزارة نفسها فحسب بل للصناعة السورية والتي تنضوي تحت راية التوجه الحكومي والمتمثلة بمعالجة العديد من الملفات التي تعيق تطوير هذا القطاع كالفساد ووضع خريطة صناعية لإعادة تقييم جميع الشركات والمعامل التابعة لجهة الحفاظ على المعامل المنتجة، ودمج شركات وتصفية اخرى إن استدعى الأمر للوصول إلى حالة إنتاجية ذات جدوى اقتصادية وصناعات تعتبر أساسية في مرحلة إعادة الإعمار، وصناعات تعتمد على مواد أولية محلية وذات قيمة مضافة عالية وإحلال بدائل للمستوردات، إضافة إلى إعادة هيكلة اليد العاملة في الوزارة وإطلاق عملية التأهيل والتدريب الإداري والمهني والفني والتي بدأتها الوزارة بإنجاز أسس توجهات الهيكلة وعملية التأهيل المتمثلة بإحداث ماجستير التأهيل الصناعي بموجب موقعة مع هيئة تخطيط الدولة.
فقائمة التي تعمل عليها لوزارة خلال هذه المرحلة طويلة ومتواصلة منها ما يتعلق بتعزيز البيئة القانونية والتمكينية للمؤسسات، وإعادة النظر في بعض القوانين والأنظمة المعمول بها مثل نظام العقود والشكل المؤسساتي للوزارة ودراسة هيكلة الوزارة والمؤسسات للقطاعين العام والخاص، على اعتبار أن مسؤولية الوزارة تجاه القطاع الخاص سوف تندرج ضمن الخرطة الاقتصادية، والعمل ضمن روح التشاركية، وتحويل جزء من مؤسسات القطاع العام إلى شركات قابضة مساهمة مع الحفاظ على ملكيتها ومنها على سبيل المثال انجاز مشروع مرسوم لإحداث الشركة القابضة للغزل والنسيج من قبل المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وغيرها من الأعمال التي يتم العمل عليها و التي ستنضج تباعا..
ومن هذه الأعمال لرؤية الوزارة القادمة.. توفير بيئة تمكينية جاذبة للاستثمار الصناعي الخاص تسهم في تعافي القطاع الصناعي ، ليعود مجدداً، وبقوة، لممارسة دوره في النمو الاقتصادي، والاجتماعي عبر تخفيف ما أمكن من القيود التي فرضت على الشركات نتيجة الحرب، بما يؤمن حرية الانتقال ووصول المواد ومستلزمات الإنتاج بالسرعة والكلفة والجودة التي تحقق تنافسية للصناعة، إضافة إلى تفعيل دور الصناعات المحليات في إعادة رسم استراتيجيات التنمية الصناعية في نطاقاتها الجغرافية وإعادة تفعيل ودعم المدن والمناطق الصناعية وغيرها..
كل ذلك يوحي أننا أمام مرحلة جديدة من إعادة هيكلة للصناعة السورية أو (بيروسترويكا صناعية) لهذا القطاع، والذي كل ما نتمناه ويتمناه كل الحريصين والمدافعين والغيورين على هذا القطاع ألا تواجه هذه العملية أي عرقل وأن يشهد نهضة تعد رهان الاقتصاد الوطني خلال المرحلة القادمة الذي يجب ان نكسبه، من أجل مستقبل سورية ومستقبل السوريين..!!
- رئيس تحرير موقع أخبار الصناعة السورية