بعد ارتفاع أسعار الصرف في الشهرين الاخيرين وارتفاع اسعار المواد الغذائية بادرت وزارة التموين لممارسة دورها بتسعير المواد الغذائية الاساسية وحددت أسعار مبيع لهذه المواد أقل من الاسعار الموجودة بالسوق واقل من التكلفة الحقيقة , و لم تعترف غير بالسعر الرسمي للصرف رغم معرفتها أن بعض المواد التي سعرتها وفق السعر الرسمي تم استيرادها بسعر صرف السائد في السوق .
ان الغاية من هذا الاجراء هو تحديد سقف أسعار مبيع هذه المواد ولإجبار التجار على تخفيض أسعارهم بالشكل هي غاية جميلة وتلفت نظر المواطن الذي طحنته الأسعار ولكن هل تمشي في أي سوق قاعدة التسعير بخسارة وبأقل من التكلفة ؟؟
والسؤال : ماذا كانت نتيجة ذلك في السوق على أرض الواقع وكيف أضر ذلك بالمستهلك ؟
سنأخذ أمثلة :
عادة التجار يربحون بكيلو السكر 25 ليرة وسطيا ويتنافسون فيما بينهم بسعر السكر لجذب المستهلك ولكن عندما أصبح التاجر يبيع بسعر مخالف للنشرة التموينية لجأ التجار الى عدم اظهار السكر في محلاتهم التجارية خوفا من المخالفة التموينية وأصبح التاجر يبيع السكر لزبائنه الخاصين وهذا جعل السكر غير موجود إلا للزبون المدلل وذلك أضر بانسيابية تواجد المادة في المحلات ونتيجة خشية التجار من المخالفة التموينية وتلهف المستهلك للشراء نتيجة عدم عرض البضاعة في المحلات أصبح التاجر يربح بكيلو السكر 200 ل س وأصبح يبيعه ب700 ل س بدل 525 ل س حيث أنه يريد أن يعوض أي مبالغ ممكن أن يدفعها كمخالفة تموينية واذا نظرنا الى المواد الاخرى نرى نفس الامر في الزيت النباتي وفي المتة فأصبحنا نسمع من مستهلك أنه اشترى لتر زيت نباتي ب1500 ل س ومن مستهلك أخر ب1200 ل س بينما التسعيرة التموينية 950 ل س كما نسمع من مستهلك انه اشترى علبة المتة بسعر 1000 ل س ومن مستهلك ثاني بسعر 800 ل س بينما سعر النشرة التموينية 600 ل س .
واذا نظرنا الى باقي المواد نلاحظ نفس المشكلة في السردين والطون والرز ..
أليس الافضل أن نترك السوق لقواعد العرض والطلب ونساهم بزيادة عدد التجار والصناعيين والمستوردين لكي نزيد التنافس التجاري بينهم أو أن تقوم مؤسسة السورية للتجارة باستيراد المواد بكميات جيدة وان تقوم بتوزيعها واذا كان ذلك الأمر متعذر بالوقت الحالي ممكن على الاقل اعادة التسعير لكي تكون الأسعار منطقية وان نعطي التاجر حقه وهو الربح المنطقي وبمجرد حدوث ذلك فان قسم كبير من المحلات سيلتزم بالأسعار وهذا سيؤدي لانخفاض بالأسعار وهذا ما تم ملاحظته قبل حوالي شهرين فقد توفرت البضاعة واصبح ربح المستوردين والتجار بحدودها الدنيا نتيجة المنافسة
إن إجبار التجار على البيع بسعر منخفض ممكن أن يكون مقبول لمرة واحدة ولكن لن ينجح دوما لأن التاجر يريد أن يربح أو يبيع برأس المال لكي يستمر بدورته الاقتصادية ومن غير المنطقي أن يتم تحميل كل تبعات الأزمة على التجار وإجبارهم على المبيع بخسارة ومعاملتهم كخارجين عن القانون .
إن وزارة التجارة تتعاطى مع التضخم بعدم الاعتراف به و الأسعار التي فرضتها على التجار لا يتم تطبيقها ابداً مع كل العقوبات الرادعة لأنها غير منطقية وغير واقعية وأدت الى فقدان المواد وتخزينها وتهريبها ومن ثم رفع أسعارها
.هامش 1: ان المنافسة الحقيقة وخوف التاجر من خسارة زبائنه هي اكبر رادع للتاجر لكي لا يرفع سعره .
هامش 2- دخول السورية للتجارة كلاعب أساسي ومنافس حقيقي كفيل بخلق توازع سعري ومن الواجب الارتقاء بمستو الادارة في السورية الى المستوى الذي تكون فيه قادرة على قراءة تواجدها في السوق بشكل صحيح وعدم تحويلها الى مؤسسة اتكالية تحتمي بكونها مدعومة من الدولة .
هامش 3 : نتغهم اضطرار وزارة التموين الى الاستجابة لردات فعل السوق وربما ” الفيس بوك ” فالقصة أن تحقيق التوازن في الاسعار يكون عبر الأخذ بالتكاليف قبل كل شيء وكلما كان هناك تعامل صحيح مع التكاليف التي تظهرها البيانات والاوراق النظامية كلما كانت قادرة على فرض تسعيرة منطقية وكلما كانت قادرة على حماية السلع من الاحتكار و رفع أسعارها .
هامش 4 : بالمحصلة أحيانا الكحل يعي وهو ما يحدث في الأسواق السورية .. أتقنوا التسعير وأتقنوا نتائج التسعير الخاطئ .. فعندما تضعون أسعار أقل من التكاليف يدفع المواطن الثمن مرتين مرة بانقطاع واحتكار المادة ومرة بسعرها المرتفع والاستغلالي وهكذا لاتكون وزارة التموين استطاعت أن تضرب ولا أي عصفور ؟
وأخيراً علينا أن لاننسى بدل محاولة تأمين الظروف المثلى التي تمكن فيها الجهات المعنية من السيطرة على الأسعار فرضت على المستوردين مؤنة 40 % تُجمد لمدة لا تقل عن 3 اشهر لكل عملية استراد وطبعا المستورد سيلجأ للاقتراض من البنك بفائدة 15 % لكي يمول هذا العبء الإضافي ( المؤنة ) وهذا ما ينعكس على الأسعار بشكل مباشر ..
سيرياستيبس