2018/11/14
يشوب عمل مراكز التدريب الإداري الخاصة الكثير من المغالطات والمخالفات لجهة منح شهادات تدريب في تخصصات هي ليست بالأصل من اختصاصها، إلى جانب عدم وجود تراخيص رسمية لعمل هذه المراكز لاسيما أن غالبية هذه المراكز هي بالأساس مراكز لتعليم ولصيانة الكمبيوتر، أو مخابر لغوية لجأت لاحقاً إلى منح المتدربين لديها شهادات خبرة في مجال التنمية الإدارية، إضافة إلى ما تستوفيه هذه المراكز من رسوم باهظة مقابل الدورات التدريبية، في ظل ما يكتنفها من ضعف واضح في جودة المعايير المعتمدة لديها، وبحسب أهل الكار فإن السبب الرئيسي في ذلك يعود لغياب مراقبة الجهات المعنية لعمل هذه المراكز وفي مقدمتها وزارة التنمية الإدارية، وعدم وجود آلية محدّدة وواضحة في إلزام المراكز بمعايير مزاولة مهنة التدريب الإداري.
لا مسؤولية لها
ولعل الغريب في الموضوع أن وزارة التنمية الإدارية أخلت مسؤوليتها عن متابعة ومراقبة عمل هذه المراكز لاعتبارات تتعلق بالمهام المناطة بالوزارة التي لم تنص -بحسب مصادر الوزارة- على اعتبارها الجهة المختصة بالإشراف على النشاطات التدريبية لمؤسسات القطاع الخاص والرقابة على حسن مخرجاتها، كما أن مرسوم إحداثها لم يجِز لها جباية الرسوم واستيفاء البدلات عن خدماتها مقابل قيامها بهذا الدور المستحق في تنظيم عملية التدريب والتأهيل لمؤسسات القطاع الخاص، وأوضحت المصادر أن قطاع التدريب الإداري بحاجة إلى جهة حكومية مختصة تنظمه وتراقب جودة العملية التدريبية فيه، لما لهذا القطاع من أهمية تكمن في بناء القدرات البشرية النوعية والخبرات العملية.
وفي محاولة للوقوف على صحة ما ورد من معلومات حول هذا الموضوع حاولت “البعث” التواصل مع الوزيرة سلام سفاف لكن للأسف باءت جميع المحاولات بالفشل ما دفعنا إلى وضع بعض الأسئلة في المكتب الصحفي حول الملابسات الخاصة بصناعة التدريب الإداري ودور وزارة التنمية في معالجة ملف المراكز التدريبية الخاصة، إلا أن الوزيرة أجلت الإجابة على استفساراتنا نتيجة ضغط الاجتماعات لديها مع لجان وورشات أعمال الترميم التي تشهدها الوزارة.
سرقة..!
خبير التنمية الإدارية الدكتور محمد ياسين زكريا أشار إلى عدم وجود تراخيص للمراكز التدريبية القائمة حالياً، إذ أن أغلب التراخيص هي لمخابر لغوية ومراكز صيانة وتعليم الكمبيوتر، وأن أغلب المدربين غير مؤهلين ويلجؤون إلى سرقة الدورات من النت أو من كتب ومراجع متخصصة، منوهاً إلى قلة عدد المدربين المعتمدين في المحافظات إذ لا يتجاوز عددهم في محافظة حمص على سبيل المثال لا الحصر خمسة مدربين فقط، موضحاً أن ما يتم منحه من شهادات تدريبية تتم جزافاً ودون اعتمادية رسمية، كما أن مستوى هذه الدورات لا يرتقي إلى الحد الأدنى من السوية المقبولة وذلك لأسباب تتمثل بعدم كفاءة المدرب المعتمد، وعدم وجود تقييم حقيقي في نهاية الدورات، والأهم ضعف الأسلوب المتبع في التسويق للدورات.
مخاض عسير
بدوره أكد المدرب المعتمد الدكتور أحمد سفنجة أن العملية التدريبية تعيش مخاضاً صعباً وعشوائياً وفوضى عارمة لجهة مصادر الترخيص والمواضيع التدريبية، وضعف وعدم أكاديمية المادة التدريبية، إلى جانب عدم وجود المدربين المعتمدين ذوي الخبرات العالية، إضافة إلى عدم وجود جهة داعمة تحتضن العملية التدريبية تكون قادرة على توجيه البوصلة لحماية المتدربين والحفاظ على جودة التدريب، وبين سفنجة لأن التدريب الإداري في خطر حقيقي نظراً لوجود مراكز كثيرة وغير مرخصة ولا تعتمد معايير إنشاء المراكز التدريبية، ولا معايير المادة العلمية أو التدريبية، ولا تلتزم بوجود مدربين محترفين ومعتمدين بين كوادرها، مضيفاً أن عدم وجود ضوابط ومعايير واضحة ومطلوبة جعل منح الشهادات أكثر فوضوية وعشوائية وذلك لأن مصادر هذه الشهادات متنوع وغير واضح، إذ أن أغلبها يفتقر إلى المصداقية والثقة، لافتاً إلى أن دور الوزارة مازال غير مكتمل الوضوح والملامح وذلك بسبب عدم صدور قرارات توضح كيفية أجراءات الترخيص وعدم صدور قرارات تحدّد معايير المادة التدريبية واعتمادها من قبل الوزارة.
وأشار سفنجة إلى أن عدم صدور معايير اعتماد المدربين المعتمدين وكيفية الحصول على هذه الاعتمادية، يجعل من عملية ضبط جودة التدريب أمراً صعباً للغاية نتيجة وجود أعداد كبيرة من المدربين غير المؤهلين أكاديمياً، ولا يمتلكون خبرات تذكر، موضحاً أن عملية ضبط عملية التدريب تأتي من خلال ترخيص واعتماد مراكز تدريبية، إلى جانب اعتماد المادة العلمية أو التدريبية، واعتماد مدربين معتمدين ذو كفاءات وخبرات عالية، وبحسب رأيه فإن أبرز الصعوبات التي تعيق الوزارة من متابعة عمل هذه المراكز هي وجود أكثر من جهة تمنح التراخيص مثل وزارة السياحة – ووزارة الصناعة – ووزارة التجارة – ووزارة النفط وغيرها.
مشروع
وفي ذات السياق حصلت على مشروع قانون يعنى بصناعة التدريب الإداري ونظام الاعتماد الوطني الشامل في القطاعين العام والخاص، يهدف لضمان كفاءة أداء مؤسسات ومراكز التدريب الإداري من خلال تحقيقها معايير الجودة الوطنية اللازمة لمنحها تراخيص مزاولة المهنة، مع ضمان كفاءة وجودة المناهج التدريبية عبر استيفائها لمعايير الجودة اللازمة لمنحها الاعتمادية الوطنية، مع وضع محددات معيارية لضبط منح لقب “المدرب” وضمان جودة أدائه، من خلال تنظيم المدربين في مسلك مهني واضح تؤسّسه وزارة التنمية الإدارية.
وتطرّق مشروع القانون إلى إحداث ضابطة خاصة للرقابة على عمل مؤسسات ومراكز التدريب الإداري، ومدى التزامها بالأحكام الواردة في هذا المشروع وتعليماته التنفيذية، تسمّى ضابطة التدريب الإداري الخاص، على أن تمارس مهام تتعلق برصد المخالفات التي ترتكبها مراكز التدريب الإداري ورفع تقارير دورية بهذا الشأن، والقيام بزيارات دورية للمؤسسات “مراكز التدريب المرخصة” للتأكد من التزامها بشروط منحها الترخيص، ولم يغفل مشروع القانون باب العقوبات والجزاءات بحق المخالفين من مراكز التدريب الخاصة والمتمثلة بمعاقبة المخالف بغرامة مالية تصل إلى مليون ليرة في حال ثبت أن الترخيص قد صدر بناءً على معلومات غير صحيحة، وبأخرى قدرها 500 ألف ليرة في حال قيامه باستخدام مدربين غير مرخصين وغير معتمدين من الوزارة، ونصّ مشروع القانون على أن تؤول جميع العائدات المالية الناجمة عن تطبيق أحكام هذا القانون إلى الخزينة العامة للدولة، وبالمحصلة يبقى الرهان قائما على وزارة التنمية الإدارية لضبط عمل هذه المراكز والعمل على معالجة كل الثغرات التي تعيق تقدم عمل تلك المراكز والنهوض بها من خلال منحها التراخيص اللازمة ومتابعة عملها وفرض عقوبات بحق المخالفين.البعث