اخبار الصناعة السورية:
تزداد معاناة الصناعيين يوماً بعد يوم، وتزداد معها عدد المنشآت المتوقفة، وتتباطأ حركة المنشآت العاملة في القطاع النسيجي لتصل إلى طاقة إنتاجية أقل من 20% مما كانت عليه قبل الحرب، ويرافقها غياب النتائج الحقيقية الملموسة على أرض الواقع، إذ تقترب الأمور نحو الهاوية والوقائع لا تبشّر بالخير، بحيث باتت المعامل النسيجية السورية تعاني شللاً شبه تام، في حين ينظر الصناعيون باضطراب وقلق، بعد ارتفاع المواد الأولية والحصار الاقتصادي الجائر! إضافة للتدمير الهمجي الذي طال البنى التحتية وسرقة الآلات في معظم المصانع.
الحلول الجزئية لم تعد تفيد الصناعة السورية برمتها، فمشكلات القطاع النسيجي لا تحصى، بدايةً من إيجاد حلول لتصريف المخزون، مروراً بإعادة تأهيل الماكينات أو توفير قطع الغيار في ظل العقوبات الاقتصادية، لنقف أمام أكثر من سؤال: ماهي الحلول لإعادة جودة منتجات الشركات النسيجية كما كانت سابقاً، إضافةً لإعادة تدوير الخيوط المخزنة في المستودعات، وما هي الإجراءات التي ترفع من جودة الخيط السوري وما هي العقبات التي تقف في وجه تصديره للأسواق المجاورة والعالمية؟
مطالب محقّة
يقول عضو غرفة صناعة حلب والصناعي في قطاع النسيج محمد صباغ لـ «الأيام»، إن المطلب الرئيسي للصناعيين في المؤتمر الصناعي الثالث المنعقد في تشرين الثاني من العام الفائت، وبحضور غرف الصناعة الأربعة (حلب ودمشق وحمص وحماه)، تركز حول دراسة تخفيض أسعار حوامل الطاقة للمنتج الصناعي المحلي (فيول- مازوت- كهرباء)، مضيفاً أن الصناعيين اليوم يعانون من ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة بالدول المجاورة وفي الدول العربية كافة،
الحل… كهرباء حسب الشرائح
الصباغ طالب وزير الكهرباء في المؤتمر الصناعي الثالث بوضع أسعار شرائح التيار الكهربائي بحسب الكميات -أي بمعدل وسطي 35_37- الأمر الذي يعود على تخفيض سعر المنتج في الأسواق الداخلية والقدرة على منافسة الدول المجاورة للوصول إلى تصديره، منوهاً إلى وجود إشكالية رئيسية هي أن أي صناعي لا يستطيع مغادرة القطر بسبب الضغوط، مطالباً تدخل وزارة الخارجية بالسماح للصناعي بزيارة الأردن ومصر والجزائر وباقي الدول العربية لعرض منتجاته. أما بخصوص حضور المعارض فتكون على حساب فئة دون أخرى، ناهيك عن ارتفاع رسوم السفر ونظام الشحن غير الميسّر وغير المضبوط من قبل وزارة النقل بالنسبة للشحن الداخلي والخارجي.
تضرر 50% من المنشآت الصناعية في حلب
بالانتقال إلى المعامل النسيجية المتواجدة في حلب، ففي عام 2011 كان عددها 5500 منشأة صناعية موثقة تعود ملكيتها للقطاع الخاص، وتتبع لها منشأة ذات حرفة متممة (حياكة- تطريز)، تتداخل مع القطاع النسيجي بحدود 4500 منشأة، تضرر منها 50% بسبب ظروف الحرب. أما باقي المنشآت فهي شبه متوقفة بسبب عدم السماح باستيراد مستلزمات الإنتاج، وتعمل بطاقة إنتاجية لا تصل إلى 20% فقط من إنتاجها الحقيقي.
توصيات ومقترحات
يؤكد عضو غرفة صناعة حلب أن التيار الكهربائي متوفر للمنشآت الصناعية لكن بشكل غير منتظم، الأمر الذي يؤثر سلباً على الأجهزة الإلكترونية والآلات،
وهو ما يتسبب بأضرار مادية تقع على عاتق الصناعي، أما حل مشكلات الصناعة في موضوع التهريب الذي يكتسح السوق الحلبية بالمنتجات التركية، فيقول صباغ: يجب الاعتماد على التوصيات (17 بندا) المقدمة لوزارة الصناعة وفي مقدمتها دعم الصادرات وعوائدها، وتسهيل عمل الصناعيين، ومنع استيراد كل ما ينتج محلياً وتم التعاطي مع بعض البنود الصغيرة الواردة فيها.
350% قيمة مضافة
يؤكد صباغ أن إنتاج قطعة قماشية محلية تحقق 350% قيمة مضافة على الربح، بينما صناعة أي قطعة نسيجية من قماش مستورد لا تحقق سوى 40%، ويطالب الحكومة بإعادة النظر في القطاع النسيجي الرافد للاقتصاد السوري، واعتبار المدن الصناعية في سورية (عدرا – حسياء- الشيخ نجار)، مناطق حرة لمدة مناسبة تراها الحكومة وذلك لأجل استعادة تعافيها وعودتها لما كانت عليه قبل نشوب الحرب.
البضائع المهرب تغزو الأسواق
في السابق، كانت الدول تتهافت للحصول على المنتج النسيج السوري لانخفاض تكلفته، أما اليوم وفي ظل التعافي التدريجي فقد حاول التجار الأجانب التواصل مع الصناعيين السوريين، والاستفسار عن سبب ارتفاع سعر النسيج السوري مقارنة بدول الجوار، إضافة للسماح باستيراد كل شيء، وتقوم أجهزة الجمارك بضبط عملها، لكن بعض المحتالين يتلاعبون بتوصيف البيانات ويتم إدخال سلعة باسم سلعة أخرى، وخصوصاً المنتجات المهرّبة التي يتم إدخالها إلى محافظة حلب، وعلى سبيل المثال تم منع استيراد أقمشة المفروشات والستائر بينما تراها تغزو الأسواق المحلية، كذلك الحد من الاستيراد عن طريق الترشيد وليس استيراد ما هو موجود في السوق السورية.
تخفيض سعر الخيط
ينوّه رئيس القطاع النسيجي في اتحاد المصدرين السوري محمد فراس تقي الدين لـ «الأيام» إلى وجود مشكلات عديدة تواجه الصناعيين في القطاع النسيجي، بداية من ارتفاع تكاليف إنتاج الخيط ونوعياته، الأمر الذي يقف عائقاً في وجه المنافسة والتصدير، مؤكداً أن الحكومة حلّت هذه المعضلات عن طريق وجود نوعين من الخيوط أولها الخيط (المُسرَّح) المستعمل للنوعيات الشعبية والمتوسطة، والذي أصبح سعره منافساً من خلال تخفيض سعره على مرحلتين متتاليتين وبات يوازي في سعره نظيره في الأسواق العالمية، أما النوع الثاني الخيط (المُمَشّط) وجودته ليست جيدة الآن بسبب ظروف الحرب، والمحالج التي تشكل عنق الزجاجة في هذه المشكلة، حيث تم الانتهاء من المشكلة وذلك بسماح استيراد خيط (كومباكت) متعدد المنشأ.
ارتفاع أسعار ونوعية رديئة
ويتابع تقي الدين أنه لا يحق لأي صناعي الحديث عن سعر الخيط (المُسَرَح) بأنه غير مناسب للظروف الراهنة، المشكلة اليوم أننا نعاني من جودة منخفضة في نوعية الخيوط الموجودة في المؤسسات الحكومية، وذلك بسبب ظروف المحالج، فسمحت الحكومة بناء على ذلك باستيراد الخيوط بناءً على مطالبنا، منوهاً أن مشكلة التصدير ليس لها علاقة بالخيط، وعملت الحكومة على حل الخلاف، الآن باتت المشكلة في المصابغ من حيث أسعارها المرتفعة والنوعيات الرديئة التي لا تستطيع المنافسة.
ويؤكد رئيس القطاع النسيجي أن الدعم الحكومي موجود للصناعيين، لكن نقطة الاختناق تكمن في تسلسل عملية الإنتاج، كان يوجد في سورية بين 300 إلى 400 مصبغة، الباقي منها على قيد العمل 4 في دمشق والعديد القليل في حلب ما يسبب حالة اختناق.
تراجع حركة الأسواق الإقليمية
ثمّة مشكلة إقليمية تساهم في إخفاق التصدير، فكل أسواق المنطقة متراجعة في الأداء، الأمر الذي يؤثر على التصدير بسبب غياب السوق المستهلكة، ويطالب تقي الدين بتقديم التسهيلات لقطاع الأقمشة لتحقيق التوازن لهذه المهنة العريقة، مضيفاً أنه يوجد صناعيين يطالبون بمنع استيراد الأقمشة في حين لا نستطيع شراء منتج محلي لارتفاع سعره، واعتبر أن افتتاح صالات المبيع في حلب ودمشق خطوة مهمة تسهل عمل الصناعيين، في ظل تضرر معظم المعامل السورية. ويطالب الصناعي بالعمل على حماية المنتج المحلي عن طريق وقف التهريب، وننتظر عودة دوران الإنتاج وهي بحاجة لأسواق محلية لتحميه، ما يفتح الباب أمام تحسن النسيج تصديرياً، بوجود الدعم الحكومي ودعم الشحن والوصول لمنافسة دول الجوار.
الأمثلة كثيرة ولا بد من الاستفادة من تجارب الدول العربية، والتأكيد على هوية القطاع الصناعي بوصفه قطاعاً اقتصادياً يجب تحريره من الكثير من القيود ليتمتع بالمرونة الكاملة وتخليصه من المشاكل الكثيرة العالقة، وبالتالي لا بد من التفكير للوصول إلى معالجات نهائية جذرية بحيث يتم العمل على مستوى استراتيجي وليس حلولا آنية، لنكون بعد فترة وجيزة أمام قطاع صناعي شبه خال من الصعوبات والعقبات، ويتمتع بالإنتاجية المطلوبة التي تمكّنه من مواجهة أي مشكلة مرحلية، بحيث يتم إنجاز إنعاش كامل لهذا القطاع «العتيق» وإعادة شركاته إلى العمل، ووضع ضوابط ومحددات في حال حدوث أي خلل لنصل إلى فكرة التصدير .
أنطوان بصمه جي