11/11/2018
في الوقت الذي يزداد فيه الواقع المعاشي سوءاً، وتلتهب فيه نيران الأسعار، يلجأ معظم العاطلون عن العمل، وغيرهم من المواطنين إلى طرق ملتوية للالتفاف على الاقتصاد الرسمي، والبحث عن بدائل للحصول على مصدر للدخل في حياتهم، وذلك باللجوء إلى ما يسمى باقتصاد الظل خاصة وأن الاقتصاد الرسمي لم يعد ملبي للرغبات والاحتياجات وللهروب من عيون الرقابة والمطالبة الضريبية وبمنأى عن القوانين.
وللتقصي عن هذا الاقتصاد ماله وما عليه “سينسيريا” تحدث إلى رئيس هيئة الأوراق المالية والخبير الاقتصاد الدكتور عابد فضلية الذي عرفنا بداية على مصطلح “اقتصاد الظل” قائلاً: إنه يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المنشآت، ولكن لا يتم إحصاؤها بشكلٍ رسمي، ولا تعرف الحكومات قيمتها الفعلية، ولا تدخل في حسابات الدخل القومي ولا تخضع للنظام الضريبي ولا للرسوم ولا للنظام الإداري والتنظيمي، وانه مرافق للاقتصاد المنظم ولكنه يؤثر سلباً عليه, فالبسطات العشوائية تندرج تحت هذا المسمى “SHADOW ECONOMIC” فأصحابها يحصلون على مكاسب مادية دون دفع أي رسوم مترتبة عليهم, كما أن قلة جودة منتجاتهم وعدم تقديمهم لخدمات ما بعد البيع للزبائن وعوامل أخرى كثيرة جعلت منهم معيقين للاقتصاد المحلي بدل أن يشاركوا في إنمائه.
واعتبر فضلية أن اقتصاد الظل نوعان الأول ممنوع قانوناً والثاني مسموع به قانوناً كنشاط غير مرخص، مشيراً إلى أن التهريب مثلاً أو الاستيراد تهريباً يصنف تحت بند اقتصاد الظل الممنوع قانوناً وغير قابل للترخيص، بينما الأنشطة المسموح بها قانوناً ولكن غير مرخصة وغير معلن عنها فهي تشمل الورش الصغير التي لاتملك سجل تجاري أو صناعي و تكون غالباً في مناطق المخالفات، إضافة إلى البسطات المنتشرة بكثرة على أرصفة الشوارع وغيرها من الأنشطة غير المرخصة.
أسباب كثيرة
قبل الخوص في الحديث عن موضوع اقتصاد الظل وكل ما يتمخض عنه من نتائج يجب الحديث بشفافية ووضوح عن أسباب الظاهرة ولعل السبب الأهم هو تفاقم معدلات البطالة، وضعف معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين الجدد إلى سوق العمل وهو ما يدل على وجود أعداد كبيرة من العاملين الذين لا تشملهم أية تأمينات صحية أو ضمانات اجتماعية تجعل هذه المجموعات عاملة لكنها هشة وعرضة للخطر في الوقت ذاته، الأمر الذي له تداعيات سلبية على المجتمع.
وفي هذا الإطار بين فضلية أن اقتصاد الظل يأتي نتيجة التعقيدات الإدارية كالتراخيص وغيرها كما أنه اتسع نتيجة الظروف والأزمة التي مرت بها البلاد وهذا طبيعي، ولكن من غير طبيعي استمراره بهذه الصورة غير المناسبة وغير المنظمة لاسيما وأننا بدأنا في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، معتبراً أن التهريب قد تضاعف بشكل كبير نتيجة الظروف والفوضى التي كانت موجودة وهذا بالتأكيد يحمل تأثير سلبي ومباشر على الاقتصاد الوطني، كذلك بالنسبة للبسطات والورشات التي تعمل في الظل، وبالتالي لابد من خطة زمنية شاملة تنفذ على مراحل زمنية متواترة للتقليص من اقتصاد الظل.
مهمشون!
من جانبه اعتبر عمر حورية أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال سابقاً أن الحلقة الأهم في اقتصاد الظل هم العاملين في هذا القطاع والذين غالباً ما يكونوا مهمشين، ويكون عملهم غير الرسمي ذات نوعية منخفضة، وليس العمل الأفضل لهم، كما أنهم لا يتمتعون بأي ضمان اجتماعي، أو اقتصادي كونهم غير مسجلين لدى التأمينات الاجتماعية، لكن الظروف السيئة هي التي دفعتهم لممارسة أعمالهم هذه في الظل، خوفاً من البطالة والجوع، ولعل ذلك أحدى الايجابيات التي يحملها اقتصاد الظل في تأمين فرص عمل لشريحة كبيرة من المواطنين تجنباً لانضمامهم لطوابير العاطلين عن العمل، وتقليص معدلات البطالة والفقر وتأمين مصدر دخل لشريحة واسعة من العائلات، ولكن هذا لا يلغي ما يحمله من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني. ”
يلتهم60% من الإنتاج المحلي
يضم اقتصاد الظل تحت جناحه كل الأنشطة التي يتهرب أصحابها من دفع الضرائب والاستحقاقات المترتبة عليهم تجاه الحكومة أما عن جهل بهذا الأمر، وما يترتب عليهم من واجبات أو عن سابق قصد وتصميم بهدف تحقيق أرباح عالية، ولكن وبحسب الدراسات وإحصائيات فأن معظم العاملين في هذا القطاع من الفئات الأكثر فقراً، وبالتالي زيادة وتوسع هذا القطاع يحمل مؤشراً واضحاً على ازدياد نسبة الفقر ولاسيما بعد انخفاض نسبة العمل في القطاع العام والخاص المنظم، ولولا لجوء هؤلاء إلى العمل الهامشي لكانوا في عداد العاطلين عن العمل. وبحسب فضلية فأن نسبة اقتصاد الظل قبل الأزمة كانت حوالي45% من الإنتاج المحلي أما اليوم فتقدر نسبته بحوالي 60% من إجمالي الإنتاج المحلي.
بين الايجابيات والسلبيات
تتضارب الآراء حول موضوع اقتصاد الظل فبين من يسميه “اقتصاد مشروع خارج القانون” وبين من يسميه اقتصاد غير رسمي “اقتصاد الظل”، يبقى السؤال ما الفوائد التي يحملها هذا النوع من الاقتصاد، والأهم ما الآثار السلبية التي تنعكس على الاقتصاد الوطني جراء ممارسته؟
وفي هذا الجانب يقول فضلية: المتفق عليه أن جميع الأنشطة التي يتضمنها اقتصاد الظل تشترك بسلبية عدم تسديدها ما يترتب عليها من ضرائب ورسوم، كونه خارج نطاق القوانين والتنظيم ما يسبب ازدياد الضرائب على العاملين في الاقتصاد الرسمي، وخسارة في خزينة الدولة، وبالتالي فان الفاتورة التي تدفعها خزينة الدولة نتيجة الهدر الجاحف في الجسم الاقتصادي كبيرة جداً، وعندما يتم تحصيل الضرائب من كل القطاعات، والتوقف عن ممارسة هذه الأعمال ونقلها إلى النور وحيز العمل الشرعي سيؤدي إلى رفد خزينة الدولة بمبالغ جيدة، ويخف العبء الضريبي على العاملين في الدولة، كذلك فأن عدم تسجيل العاملين للتملّص من تأميناتهم يؤدي لحدوث خلل بين عدد العمال المسجلين بالتأمينات وعدد العاملين فعلاً وبالتالي غياب احصائية دقيقة لحاجة سوق العمل لليد العاملة، كما يحرم العمال من حقوقهم والاستقرار النفسي لهم .
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي إياد دلول أن اقتصاد الظل الثروة المدفونة التي تمتلكها الدولة حالياً، وهي الرهان الأقوى لاقتصادنا المتعب والذي يحتاج لتضافر كل الجهود لإعادته إلى الحياة، كي ينهض من جديد، ويؤسس على أرضية سليمة، كل ذلك يتطلب دعماً لهذه المشاريع، ورعاية حقيقية، وقروضاً تشغيلية، لتمارس دوراً اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً. تحديات وصعوبات
على اعتبار أن الاقتصاد غير الرسمي يتواجد جنباً إلى جنب مع الاقتصاد الرسمي، لا بد من معالجة وتنظيم هذا القطاع الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الحكومية والنقابية ومؤسسات المجتمع الأهلي والقطاع الخاص، ولكن هناك عدة صعوبات تقف أمام تنظيم هذه الاقتصاد. ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه تنظيم هذا الاقتصاد يتعلق بالقائمين عليه والذين يرفضون بمجملهم دخول الاقتصاد الحقيقي تهرباً من الضرائب وإعطاء العمال حقوقهم من خلال تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية.
خطة لمحاصرته
بعد الحديث عن هذا النوع من الاقتصاد لابد من اقتراح بعض الحلول المناسبة لإخراجه من حالة الفوضى التي وصل إليها, وفي هذا الخصوص أعطى فضلية وصفة لتحجيم هذا القطاع والاستفادة منه وتشجيع أصحابه بنقل نشاطهم من الظل إلى النور، تتمثل بإيجاد تشريعات خاصة تأخذ ظروف المرحلة الراهنة بعين الاعتبار، مع تبسيط الإجراءات والشروط ومنح أصحاب هذه النشاطات فترة زمنية كافية لترخيص أعمالهم ونشاطاتهم، وإعادة النظر في طريقة جباية وفرض الضرائب والرسوم، كذلك إيجاد آلية جديدة للتراخيص مختلفة في شروطها وتكاليفها عن الآلية العادية المتبعة، مع وجود لجان فاعلة وفرق عمل لمسح هذه الأنشطة غير الرسمية وتشجيعها للخروج إلى الحياة .
وفي السياق نفسه طرح دلول مجموعة من الحلول تتلخص في زيادة معدلات النمو، بحيث يحل القطاع المنظم محل غير الرسمي، عبر إنشاء جمعيات تعاونية للمهن الصغيرة مثل تجار الشنطة، والباعة المتجولون وغيرهم، وتسهيل منح الرخص للأعمال العائلية والمنزلية، والأهم السعي نحو تنظيم السكن العشوائي، باعتباره البؤرة الأهم لاقتصاد الظل، ومن ثم التكامل بين القطاعين الخاص والعام، فيما يسمى “القطاع الوطني الرسمي” لاستيعاب مزيد من العاملين نحو اقتصاد سوق اجتماعي.سنسيريا