صعود الدولار.. هل تطول ..؟ مخاوف زادت وتيرتها موجة غلاء جديدة

 

19-11-2018

لم يفرح السوريون كثيراً لاستعادة ليرتهم بعض مكاسبها، لعلها تنعكس خيراً على جيوبهم الفارغة، حيث فاجأهم الدولار الملعون بشطحة جديدة بحدود 70 ليرة خلال شهر واحد، متجاوزاً سقف 500 ليرة، مع أن التوقعات كانت تتجه نحو تخفيضه، وتحديداً بعد تسعيره في موازنة عام 2019 بـ435 ليرة، ما يعطي مؤشراً بوجود قرار رسمي بتخفيضه، لكن على ما يبدو أن حسابات المضاربين لا تنطبق على حسابات الرسميين، الذين لم يقدروا حتى هذه اللحظة على اتخاذ إجراءات كافية تضمن استقرار سعر الصرف، فلو كان ذلك واقعاً لما حصلت هذه الفورة المفاجئة، التي تركت آثاراً سلبية على السوق والمواطن عبر زيادة أسعار السلع بمقدار ليس بسيطاً، وكأنه ينقصه هم آخر، ليتلقى الصدمة الثانية من «فم ساكت»، بعد أن جرى «تعشيمه» بأن الوضع المعيشي عبر تخفيض الأسعار سيكون أفضل في الفترة القادمة، وهنا نتساءل عن أسباب تأخر الجهات المعنية وعلى رأسها المركزي في التحرك لكبح جماح المضاربين وضبط التجار المخالفين، وماذا فعلت «التجارة الداخلية» بعد إطلاق حملتها ضد كل تاجر يرفع سعر منتجاته، التي باتت أسعارها تحلق خارج سرب المواطن بلا عقوبات ولا هم يحزنون.

استيراد الدولة بنفسها!

لم يتردد التجار فور ارتفاع سعر الدولار المفاجئ في رفع أسعار سلعهم بما فيها المحلية، ما يعني ضغطاً جديداً على جيب المواطن، الذي لم تعد قدرته الشرائية قادرة على تحمل ضغوط ووعود جديدة، من دون لمس فعلي جدي على أرض الواقع، حيث ضاعت تصريحات وزير التجارة الداخلية المهددة بمعاقبة أي تاجر يرفع سعر منتجاته عبر معاقبته بأشد العقوبات مع موجة المضاربة على الليرة، حيث لوحظ أثناء جولتنا على أسواق دمشق الشعبية وجود ارتفاع في معظم أسعار السلع وخاصة الأساسية، مع وجود جمود في حركة السوق سببها قلة الطلب على السلع، وتآكل دخل المواطن وخاصة أن الشهر تجاوز منتصفه بحيث تكون الجيوب قد خلت من قروشه القليلة، وهنا أكّد د.جمال السطل خبير في شؤون حماية المستهلك أنه لا مبرر على الإطلاق لرفع التجار لأسعارهم حتى مع ارتفاع سعر الدولار، مرجعاً ذلك إلى قلة أخلاق بعض التجار، الذين يبادرون فوراً إلى زيادة أسعار منتجاتهم عند ارتفاع سعر الصرف، في حين يتجاهلون انخفاضه وكأن الأمر لا يعنيهم، لافتاً إلى أن الحل الأجدى يكمن في قيام الدولة باستيراد السلع بدل التجار أو الاعتماد على تجار تثق بهم في حال عدم مقدرته على الاستيراد بنفسها بسبب العقوبات الاقتصادية، بحيث تكون منافساً جيداً للتجار وتلزمهم بأسعار صالاتها وليس العكس، لافتاً إلى أن مراقبة الدوريات التموينية للأسواق لن تجدي نفعاً، بسبب قلة عدد المراقبين التموينيين، إذ يصعب وضع مراقب على كل تاجر.

امتناع…والمضاربة تحكم!

وقد حاولنا الاتصال مع عدد من التجار المعروفين لمعرفة وجهة نظرهم بالموضوع وانعكاس ارتفاع الدولار على الأسواق، ليفضل أغلبهم عدم الحديث في هذا الأمر، بحجة عدم إثارة ضجة حوله، فمن وجهة نظرهم الدولار سينخفض خلال الفترة الماضية، ما يدل على أن موجة الارتفاع الجديدة ليست سوى لعبة مضاربة، عزز مكاسبها ضعف أدوات الجهات الرسمية وعلى رأسها «المركزي» وعدم تحركه السريع للضرب على أيدي المضاربين.

ضرر الصناعة..ومطالبات بالتدخل

وللوقوف على تأثير سعر الصرف الجديد في الصناعة، التي لا تزال تعاني الكثير من المشاكل والصعوبات، يزيد وطأتها تذبذب سعر الدولار، الذي يعد قاتلاً في المفهوم الاقتصادي، وهو ما أكده الصناعي محمد الصباغ بإشارته إلى أن زيادة سعر الصرف خلال فترة قصيرة حوالي 70 ليرة، أدى إلى حصول جمود في الأسواق، وخلل في الإنتاج الصناعي، بعد تسببه في رفع تكاليف الإنتاج، فكما هو معروف يتم استيراد السلع الأولية بالدولار والبيع بالليرة السورية، وهذا الفرق يسبب زيادة الكلف والأسعار على المواطن، الأمر الذي أوقف حركة البيع والشراء ريثما يستقر سعر الصرف، مؤكداً أن الصناعة المحلية كانت تعمل بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 25%، وبالتالي ارتفاع سعر الصرف أدى إلى تعطيل حركة إنتاجها مجدداً، مطالباً «المركزي» باتخاذ إجراءات تثبت سعر الصرف والتدخل لتحقيق هذه الغاية، مستغرباً عدم اتخاذ أي خطوة للتحرك حتى الآن لمنع رفع سعر الدولار مجدداً.

التوازن بين الصادرات والمستوردات

واعتبر عدم حصول استقرار في سعر الصرف وثباته مرده إلى عدم المقدرة على استقطاب الصناعيين السوريين الموجودين في الخارج، وعدم دخول مستثمرين خارجيين إلى سورية، ما يعني ضعف حركة دخول القطع الأجنبي إلى البلاد، بالتزامن مع عدم تحرك السوق داخلياً عبر رفع معدل الصادرات، وهذا الخلل يقع بالدرجة الأولى على وزارة الاقتصاد، التي لم تقدر، حسب رأيه رغم فتح معبر نصيب، على تصدير المنتجات المحلية إلى الأسواق الخارجية، فعندما لا يتم إدخال قطع أجنبي إلى البلاد وتكون المستوردات أكبر من الصادرات حتماً سيستمر هذا الخلل من دون أن نشهد أي استقرار في سعر الليرة، لذا فإن المطلوب في رأيه إحداث توازن بين المستوردات والصادرات، فكلما زادت الأخيرة سيتحسن سعر الصرف وتقوى الليرة.

غياب غير مبرر!

ورفض الصباغ أن ارتفاع سعر الصرف سببه نهاية العام، ففي كل دول العالم، حسب رأيه، يحدث انخفاض في سعر الدولار بسبب انخفاض حجم الطلب على المستوردات، مشيراً إلى وجود لعبة مضاربة، وسط غياب واضح لأدوات «المركزي»، ما يشير إلى وجود حلقة مفقودة تستدعي تحركاً سريعاً يكشف المضاربين ويضبط سعر الصرف، وخاصة أن غياب «المركزي» عن السوق يسبب خوف المستوردين والصناعيين، وهذا يفترض عدم حدوثه، وخاصة أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في تحسن منذ فترة طويلة، ما يفترض استثماره والتوجه نحو دراسة زيادة حجم الصادرات بغية عكس ذلك على وضع الليرة.

انخفاض قريب!

تأثر وضع الصادرات أيضاً بسعر الصرف الجديد، سألنا عنه رئيس اتحاد المصدرين محمد السواح، الذي توقع حصول انخفاض قريب في سعر الصرف وعودته إلى سياقه الطبيعي، مرجعاً ارتفاع الدولار المفاجئ إلى العرض والطلب، مشيراً إلى أن تحسن وضع الليرة رهن زيادة الإنتاج وتحريك عجلة الصناعة، وبالتالي زيادة الصادرات، مع العمل في الوقت ذاته على ضبط التهريب.

واستغرب السواح ادعاء البعض أن رفع سعر الدولار سببه بعض صفحات التواصل الاجتماعي، فمن يروج لهذه الأفكار ليس اقتصادياً ولا يسمع، وخاصة أن هذه الصفحات كانت موجودة سابقاً ولم يرتفع الدولار، مشدداً على أن السوق يفرض نفسه بحكم قوى العرض والطلب، لذا من المتوقع انخفاض الدولار خلال الفترة القادمة.

فورة سلبية!

حالة من الاستغراب في الأوساط التجارية والصناعية والاقتصادية حول ارتفاع الدولار المفاجئ، الذي أرجع إلى أسباب عديدة كل حسب رؤيته، من دون وجود خطة واضحة بأدوات فاعلة لضبطه عند سعر معين وإعادة مؤشراته إلى الوراء بطريقة تقوي وتدعم الليرة المحلية، علماً أنه حسب معلوماتنا المؤكدة سينخفض سعر الدولار قريباً، باعتبار أن الأمر كما أكّد أحد المطلعين مجرد فورة مع محاولة المضاربين استثمارها لمصلحتهم، لكن لا يمكن تجاهل أن ذلك أثّر سلباً في الاقتصاد والمواطن.

شراء شهادات استيراد!

وللوقوف على حقيقة ومسببات ارتفاع سعر الصرف المفاجئ أكد المحلل الاقتصادي د.محمد كوسا أن الطلب المتزايد على الدولار مرده عدة أسباب أهمها: تداعيات قرار «المركزي» بمراجعة حسابات التجار والمستثمرين وأي شخص اشترى قطعاً أجنبياً خلال عام 2012، وطالب بتبريرها وخاصة عند لحظ تساهلاً وتلاعباً في الحصول على القطع خلال هذه الفترة، لذا عمد التجار للخلاص من هذه الإشكالية إلى شراء شهادات استيراد بالدولار بتواريخ سابقة، ما أحدث طلباً شديداً على الدولار وتسبب في زيادته، وهذا الأمر فيه نوع من الاحتيال لكن بوثائق صحيحة قانونياً لكنها تنطوي على مخالفة لكونها حررت بتاريخ مغاير.

ويضاف إلى ذلك، حسب د.كوسا، أنه في نهاية العام تعتمد المؤسسات الحكومية على تصفية المبالغ الاستثمارية المرصودة ضمن الموازنة الاستثمارية، بالتالي يحصل ضغط على استيراد السلع ومستلزمات الإنتاج، وعلى اعتبار أن المركزي لا يموّل جميع المستوردات، لجأ التجار إلى السوق السوداء، ليؤدي ذلك إلى حصول ضغط على الدولار، كما أنه بعد تحرير بعض المناطق من الإرهاب وفتح معبر نصيب، أصبحت هناك حركة استثمارية في القطاع الخاص، وهذا يتطلب استيراد سلع من الخارج أيضاً، الأمر الذي تسبب بدوره في زيادة الطلب على الدولار.

ويتابع د.كوسا حديثه في عرض مسببات ارتفاع الدولار، ليرجع ذلك إلى إغلاق «المركزي» عدداً من شركات الصرافة، من دون إيجاد بديل عنها يغطي حاجة السوق، ليكون الحل البديل عند التجار التوجه إلى السوق السوداء، في حين كان يفترض من «المركزي» إيجاد منافذ تعوض النقص الذي أحدثه غياب هذه الشركات.

تهريب السلع المحلية

ولم يغفل المحلل الاقتصادي محمد كوسا مسألة الضغط على السلع السورية وإقبال الأردنيين على شرائها، ما تسبب في حصول شح في بعض السلع، عمد التجار إلى تأمينها استيراداً، وبالتالي حكماً زيادة الطلب على الدولار، لتبقى النقطة الأخيرة، برأي كوسا، لعبة المضاربين، الذين عمدوا إلى استغلال الفارق بين سعر «المركزي» والسوق السوداء والعمل على زيادته من أجل تحقيق أرباح كبيرة.

لعبة مضاربة

وعند سؤاله عن أسباب تأخر «المركزي» في اتخاذ إجراءات تضبط سعر الصرف وتضرب على يد المضاربين، لم ينف د.كوسا وجود بطء في تحرك «المركزي» لتحقيق هذه الغاية، لم تعرف أسبابه، إلا أنه بالمطلق لم يكن التعاطي على المستوى المطلوب، ما يفترض تحركاً نحو ضبط سعر الصرف والعمل على تقريب السعر بين «المركزي» والسوق السوداء من أجل تخفيف المضاربة وكبح سعر الدولار، مشيراً إلى أن القرار قد لا يتعلق بـ «المركزي» وحده لاتخاذ قرار التدخل، فكما هو معروف هناك عدة جهات معنية بالتدخل وأهمها مجلس النقد والتسليف، الذي يتحكم بالسياسة النقدية والمالية، ليطرح تساؤلاً مهماً عن مقدرة «المركزي» المالية حالياً على التدخل، وما الكميات القادر على طرحها في السوق حالياً، علماً أنه لجأ في فترات سابقة إلى التدخل وكان الوضع أصعب وأشد، وهذا لا يعني مطالبته بالعمل بالطرق ذاتها لكن يفترض إيجاد آلية مناسبة للتحكم بسعر الصرف وحماية الليرة.

تدخل سريع

ولفت كوسا إلى أن بعض الحكومات تلجأ أحياناً إلى رفع الأسعار من أجل تشجيع الحركة الاستثمارية، لكن الوقت الحالي مختلف تماماً وخاصة أن الدولار ارتفع على نحو كبير، متسبباً في جمود الأسواق والإحجام عن البيع، ما أدى إلى بطء في حركة الاقتصاد وتأثر المواطن سلباً بعد زيادة الأسعار وضعف الأجور، وهنا يشدد المحلل الاقتصادي د.محمد كوسا على ضرورة التدخل السريع لمعالجة هذا الخلل، مع العمل على رفد الخزينة بالقطع الأجنبي لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وهذا يتطلب إيجاد عمل تشاركي فاعل بين وزارتي الاقتصاد والمالية، عبر التوافق على آلية معينة تحدد شرائح المستوردات وضبط كيفية منحها، واتخاذ إجراءات لضبط الأسواق بالتشارك مع وزارة التجارة الداخلية، التي تعتمد على أسلوب الزجر والتهديد من دون مقدرة على الحد من ارتفاع الأسعار وضبط التجار، لافتاً إلى أهمية إيجاد طرق بالمقابل لمنع تهريب السلع خارج البلاد مع وضع قوائم بيضاء وسوداء للتجار، مع العمل على إيجاد أرضية مناسبة للتعاون مع جميع الوزارات المعنية، التي يلحظ غياب التنسيق فيما بينها بشكل يؤدي إلى تكرار المشاكل ذاتها دوماً، وهذا يدفع ضريبته المواطن في كل مرة.تشرين

escort bursa, atasehir escort, bursa escort bayan, escort izmit, escort izmit bursa escort, sahin k porno kayseri escort eskisehir escort Google
Powered by : FullScreen